تشهد مناطق شمال سوريا ارتفاعاً ملحوظاً في معدلات الحوادث المرورية، وهو ما يمثل تهديداً حقيقياً لحياة آلاف الأشخاص، إضافةً إلى تأثيره السلبي الكبير على عجلة التنمية في المنطقة.
إن الحوادث المتكررة لا تُعَدّ مجرد إحصائيات، بل هي مأساة يومية تمسّ العديد من الأسر، وترسم مشهداً قاتماً لحالة البنية التحتية التي تُعد عاملاً رئيسياً وراء تفاقم هذه الظاهرة، إضافة لغياب الوعي خصوصاً في مسألة أساسيات القيادة.
وتفتقر معظم الطرق في الشمال السوري إلى أبسط معايير السلامة، حيث تتناثر الحفر العميقة والشقوق الواسعة على مساحات شاسعة من الطرقات، هذه العوامل مجتمعة تزيد من احتمالية وقوع الحوادث بشكل متكرر، مما يجعل من تلك الطرق مصائد خطيرة لأرواح السائقين والركاب.
“عدنان الإمام” تعرض لحادث سير أثناء توجهه إلى مدينة عفرين، الحادث وقع تحديداً عندما كان الإمام في طريقه عبر بلدة “حزرة”، وهي منطقة معروفة بازدحامها المروري، تسبّب تصرُّف غير حذر من قبل سائق دراجة نارية في حدوث الواقعة، كان السائق يقود الدراجة دون الالتزام بقواعد السلامة المرورية، حيث لم يكن مكترثًا لحركة المرور من حوله.
عند اقتراب الدراجة النارية من مركبة “الإمام”، اضطر الأخير إلى مناورة عاجلة لتفادي الاصطدام بالدراجة. ومع ذلك، أدت هذه المناورة إلى اصطدامه بسيارة أخرى على الطريق، لم تنتج عن الحادث أي إصابات بشرية، حيث اقتصرت الأضرار على الماديات فقط.
يخبرنا “الإمام” عن الوضع الراهن فيقول: “الطرق ليست مجرد مسارات، إنها ساحة حرب صامتة، الحوادث لا تأتي بالصدفة، بل هي نتيجة لتصرفات متهورة وإهمال للقوانيين”.
على طريق سرمدا – إدلب كان “أحمد العلي” شاب يبلغ من العمر 22 عامًا، يقود دراجته النارية بسرعة عادية، معتادًا على هذا الطريق منذ سنوات، لكن في تلك الليلة ووسط الظلام، مع القليل من الإضاءة القادمة من مصابيح السيارات المتفرقة. فجأة ظهرت سيارة مسرعة.
يتابع: دون أي إشارات ضوئية تنبهت لكن الوقت لم يسعفني، انحرفت دراجتي النارية نحو الحافة وانقلبت، ما أدى إلى سقوطي.
نُقل أحمد على الفور إلى المستشفى في سرمدا، حيث تم تشخيصه بكسور في الساق اليمنى وإصابة في العمود الفقري، نجا أحمد من الحادث، لكنه يحتاج إلى عملية جراحية معقدة ومكلفة، لعلاج العمود الفقري.
مثله ياسر، على طريق معرة مصرين – إدلب كان ياسر “الحسين” البالغ من العمر 27 عامًا، في طريقه إلى عمله في إحدى ورش البناء، في إدلب يقود دراجته النارية كعادته، هذا الطريق كان مكتظًا بالمارة والسيارات، أثناء قيادته، فقد سائق سيارة السيطرة على مركبته بسبب عطل مفاجئ في الفرامل، لتتوجه السارة بشكل عشوائي نحو السيارات والدراجات على الطريق، حاول ياسر بكل ما أوتي من قوة أن يتفادى السيارة، لكنه لم يتمكن من تجنب الاصطدام.
تحطمت دراجته النارية بشكل كامل، وأصيب ياسر بجروح بليغة في الرأس وكسور في الصدر، كان الوضع حرجًا للغاية، وتم نقله إلى المستشفى في إدلب بحالة حرجة. خضع لعمليات جراحية متتالية لإنقاذ حياته، يعيش ياسر الآن بوضع مأساوي إذا لم يعد يستطع العودة الى عمله مجددًا بسب ذلك الحادث الذي أدى إلى كسور في صدره تمنعه من مزاولة عمله الذي يحتاج إلى جسم سليم.
الأسباب الرئيسية الموثقة
الرائد “فادي الشامي” مدير إدارة المرور في إدلب، قال في حديث لـ “تفاصيل برس”: إنّ الأسباب الرئيسية وراء ارتفاع نسبة حوادث السير في المناطق المحررة، هي عدم الالتزام بقواعد السير، وأهمها استخدام الهاتف المحمول أثناء قيادة المركبة بالإضافة للسرعة الزائدة والتهور أثناء قيادة المركبة، وعدم القيام بالصيانة الدورية للمركبة، قيادة المركبة من قبل أشخاص غير مؤهلين”.
“لا يوجد طريق أو تقاطع معين يشهد نسبه حوادث مرتفعة كون أغلب الحوادث تكون خارج المدن نتيجة السرعة الزائدة القيادة الرعناء للمركبة بالإضافة إلى وجود الكثير من الطرق غير المعبدة والتي تحتاج إلى إعادة تأهيل وإنارة.
تقوم إدارة المرور في وزارة الداخلية في حكومة الإنقاذ بحملات توعوية، وفق ما تقول، وذلك من خلال نشر البروشورات وتوزيعها على سائقين بالإضافة إلى زرع الشاخصات المرورية على الطرقات.
ومن خلال التعاون بين وزارة الداخلية والمؤسسة العامة للنقل تم ترسيم ما يقارب 98% من المركبات الموجودة في إدلب.
كذلك، تعمل الدوريات المرورية المنتشرة في المناطق المحررة على تنظيم وتسهيل حركة السير على مدار الساعة، كما ويتم وضع الإشارات الضوئية في كل من إدلب وسرمدا، للتخفيف من الازدحام المروري وتنظيم وتسهيل حركه المرور، الذي يبلغ ذروته أيام السبت والخميس وفتره بدء وانتهاء الدوام الرسمي من كل يوم، وفق ما تقول وزارة الداخلية.
حوادث خطيرة ومميتة
“تتصدر الدراجات النارية القائمة، كأعلى نسبة في حوادث السير بسبب القيادة الرعناء والسرعة الزائدة وتهور السائقين الذين جلهم لم يبلغوا الخامسة عشر عامًا، وتشهد المناطق المحررة انخفاضًا ملحوظًا بعدد حوادث السير في هذا العام، نسبة إلى العام الفائت وذلك نتيجة للعمل الجبار الذي تقوم به رجال شرطة المرور في تنظيم وتسهيل حركة السير والتوعية المرورية وتثقيف المجتمع المدني”.
وأما بخصوص التثقيف، فقد اعتبر كثيرون أنّ ما قام به “تلفزيون سوريا” قبل نحو شهر من نشر عدّة مقاطع فيديو لمجموعة من الشباب في ظرف أيام وهو يتفاخرون بطريقة قيادهم الرعناء أنّ ذلك يُعدّ تشجيعاً لتلك الظاهرة الخطيرة.
التلفزيون الذي لاقى انتقاداً لاذعة بسبب هذه التقارير غير المهنية، لم يكترث لآلاف التعليقات على صفحته الرسمية، والتي طالبته بأن يلتزم بتوعية الناس لا بتشجيعهم على تصرّفات رعناء.
فيما “لا تزال المناطق المحررة تشهد نقصاً في بعض الكوادر البشرية إضافة إلى بعض التقنيات الحديثة من غرف عمليات مروية تربط جميع المناطق المحررة وبعض اللوجستيات”. وذلك بحسب “رائد الشامي”.