رغم أن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لم يعترف إلى الآن بنتيجة الانتخابات التي شغلت العالم بأسره على مدى أيام، وفاز فيها منافسه الديمقراطي جو بايدن، ولكن يبدو أن ترامب بدأ يقتنع بأنه خسر هذا السباق، وعما قريب سيتحول إلى الرئيس السابق، ولن تنفعه الثقة الزائدة بالنفس، ولا حتى الادعاءات بالتزوير في عدد من الولايات على رأسها بنسلفانيا.
بايدن الذي سيتم تنصيبه قريباً كرئيس السادس والأربعين للولايات الأمريكية المتحدة، لم يرُق فوزه للعديد من قادة العالم، ويظهر ذلك جلياً عبر التلكؤ في تهنئته بالظفر بسدة البيض الأبيض، بالأخص منهم اليمينيين، أو بعض القادة العرب الذين وضعوا كل بيضهم في سلة ترامب، التي أصبحت مثقوبة وبات البيض يسقط منها ويتكسر، دون أي فائدة.
نجاح بايدن يعني بالضرورة ضربة كبيرة لليمين المتطرف في أكثر من مكان حول العالم، ويعني أن العالم سيكون نظرياً أكثر تقبلاً للمهاجرين، والملونين، خصوصاً أن نائبة بايدن كامالا هاريس، هي من أصول أفريقية هندية، ومعروفة بالدفاع عن حقوق المهاجرين، وإذا مامات بايدن ذو السبعة والسبعين عاماً فستكون هي من يتولى منصب الرئاسة.
ولكن الوجه القبيح لبايدن هو رئيسه الأسبق، باراك أوباما، والذي يرى الكثيرون انه هو من سيقود الولايات الأمريكية المتحدة، وما بايدن سوى واجهة لأوباما، الذي بذل جهوداً جبارة خلال الحملات الدعائية الانتخابية في التسويق لنائبه السابق، ولولاها لما فاز بايدن.
أوباما وما أدراك ما أوباما، هو المسبب الأول لمشاكل منطقتنا، وكل البلاوى التي حلت بنا بعد بداية الربيع العربي كانت من تحت رأس هذا الرجل، فهو الذي سمح لإيران بالتمدد على راحتها في المنطقة، وهو من وقع معها الاتفاق النووي، الذي جعلها تشعر بفائض قوة، لتزيد في تخريب منطقتنا، وهو الذي نفخ في نار الثورة السورية، موهماً السوريين أنه معهم، وأن على بشار الأسد أن يرحل، ثم لحس كلامه دون أي حرج، تاركاً السوريين تحت براميل الحقد الأسدي، التي لا ترحم. وبعد أن خربت مالطا أراد أن يتجه باهتمام الولايات الأمريكية إلى الشرق الآسيوي.
رغم كل ما يقال عن ترامب من العنصرية إلى التكبر والعجرفة، وخرق التقاليد الدبلوماسية الراسخة، ولكن لا يمكن مقارنته بأوباما وبلاويه الزرقاء على منطقتنا، بل كان ترامب يحاول أن يرقع من وراء ذلك الخارق، وعاشت دولة ولاية الفقيه أسوأ أيامها منذ نشوئها عام 1979، فهو قد أراح العالم من شرور قاسم سليماني، الرجل الثاني في الجمهورية الإسلامية، والحاكم الفعلي لأربعة عواصم عربية، وترامب ألغى الاتفاق النووي الإيراني، ومارس ضغوطاً اقتصادية كبيرة على دولة الملالي حتى أنها باتت تتسول على باب صندوق النقد الدولي كي يقرضها بعض القروض لتغطية حاجاتها الاقتصادية. وأي ضغط على إيران يعني انفراجاً كبيراً على منطقتنا، التي تعاني من هذا البلد المجاور، الذي يصح فيه المثل العربي الذي يقال عن الجار السيئ ” كوم حجار ولا هالجار”.
بكل الأحوال لم تحتل سوريا الكثير من خطة بايدن ما عدا بيان يمكن وصفه بالهزيل، وعد فيه بايدن بأنه سيعيد “الالتزام بالوقوف مع المجتمع المدني والشركاء المؤيدين للديمقراطية على الأرض. وسيضمن أن تقود الولايات المتحدة التحالف العالمي لهزيمة تنظيم الدولة واستخدام النفوذ الذي لدينا في المنطقة للمساعدة في تشكيل تسوية سياسية لمنح المزيد من السوريين صوتًا”.
وأضاف البيان “سيضغط بايدن على جميع الجهات الفاعلة لمتابعة الحلول السياسية، وحماية السوريين المعرضين للخطر، وتسهيل عمل المنظمات غير الحكومية، والمساعدة في حشد الدول الأخرى لدعم إعادة إعمار سوريا. وسوف يجدد التزام الولايات المتحدة بقيادة القضايا الإنسانية”.
يبقى كلام البيان عاماً، فيما الولايات المتحدة معروفة بلحس كلامها وخذلان حتى أقرب حلفائها، خصوصاً وأنه بعد الثورة السورية كانت اللغة الأمريكية تهديدية حادة ولم ينتج عنها شيئ فما بالك اليوم؟
أياً يكن.. فقد كان السوريون متشائمين حين فاز ترامب أمام منافسته هيلاري كلنتون قبل أربعة أعوام، ولكن سياسته على الأرض السورية لم تكن سيئة، واليوم السوريون المعارضون متشائمون بعد وصول بايدن، ولكن هذا لا يعني إغلاق باب الأمل، فقد يحصل ما حصل في بداية حكم ترامب، وبكل الأحوال فإن كل ما كنا نخشاه وقع، ولم يعد عندنا شيء نخسره.