يُعد نهر بردى من الرموز التاريخية والطبيعية في دمشق، فهو شريانها الحيوي الذي يمنح المدينة الحياة والجمال على مدار قرون. ينبع النهر من منطقة عين الفيجة في جبال القلمون بريف دمشق، ويشق طريقه عبر وديان وأراضي خصبة ليصب في بحيرة العتيبة، حيث يبلغ طوله حوالي 71 كيلومتراً. على مر العصور، كان بردى رمزاً للطبيعة الخلابة التي تتغنى بها دمشق، حيث يروي بساتين الغوطة الشهيرة ويغذي أراضيها الخصبة، ليمدّ العاصمة بمياه الشرب والزراعة.
ينقسم نهر بردى إلى ستة أفرع رئيسية تفرعت لتروي البساتين المحيطة بدمشق وتحيط بها بهالة من السحر، حيث تعرف الأفرع باسم: توما، الديراني، المزاوي، القنوات، بانياس، وأفرع شرقية إضافية. هذه الأفرع هي التي كانت تمدّ بساتين الغوطة الخضراء بمياهها وتضيف للعاصمة جمالاً طبيعياً خلاباً، فيجعلها واحة طبيعية تميزها عن غيرها من المدن. لكن، ومع تزايد الإهمال البيئي وسوء الإدارة، تحوّل بردى تدريجياً من نعمة إلى مصدر أزمات بيئية عديدة.
في العقود الأخيرة، شهد نهر بردى تدهوراً كبيراً في وضعه البيئي، إذ أصبح يعاني من التلوث الشديد بسبب المخلفات الصناعية والمياه العادمة التي تصب فيه بشكل مستمر، دون أي رقابة أو محاسبة من قبل نظام الأسد.
ورغم أهمية النهر ورمزيته الكبيرة لدمشق وأهلها، إلا أن النظام ، الذي يسيطر على موارد البلاد وثرواتها، لم يُبدِ أي اهتمام حقيقي بالحفاظ على النهر أو إعادة تأهيله، بل اكتفى بسياسات شكلية لم تساهم إلا في زيادة التدهور.
الأسوأ من ذلك، أن سياسات النظام القمعي تسببت في تهميش الموارد الطبيعية الأساسية في سوريا، بما فيها نهر بردى، حيث ينظر إلى الموارد البيئية من منظور استغلالي بحت دون الاكتراث بالآثار البيئية أو الحياتية على السكان. تتجه أولويات النظام نحو تعزيز مصالحه الشخصية وضمان استمرار سيطرته، دون اهتمام بجودة الحياة أو الحفاظ على التراث الطبيعي.
كما أن النظام فشل في تطوير مشاريع معالجة فعّالة للمياه العادمة التي تتدفق إلى النهر، ما أدى إلى زيادة تلوث مياه بردى بشكل خطير. وقد وصلت مستويات التلوث إلى حد أصبحت فيه مياه النهر غير صالحة للري أو الشرب، ما أدى إلى تراجع الإنتاج الزراعي في بساتين الغوطة الشهيرة، التي كانت تعتمد بشكل أساسي على مياهه. ولم يعد بردى مصدر الحياة والنضارة، بل بات نهرًا شبه جاف في بعض مواسم السنة، أو مكباً للفضلات في مواسم أخرى، تاركاً أثره الواضح على صحة السكان وبيئة المدينة.
لا شك أن الحفاظ على نهر بردى يتطلب جهوداً كبيرة، تبدأ من توفير حلول مستدامة لمعالجة المياه العادمة، وإعادة تأهيل ضفاف النهر التي تآكلت بفعل الإهمال والاعتداءات البيئية.
يجب أيضاً العمل على توعية السكان بأهمية النهر وضرورة الحفاظ عليه، فضلاً عن إطلاق مبادرات مجتمعية يمكنها الضغط من أجل إصلاح السياسات البيئية القائمة. فهل سيأتي اليوم الذي يُعيد فيه بردى ألقه، أم سيبقى رهينة إهمال النظام وتجاهله المتعمد لكل ما يمتّ بصلة لبيئة البلاد ومستقبلها؟