تعد واشنطن العاصمة أحد أهم المراكز السياسية في العالم، حيث تحتضن مبنى الرئاسة (البيت الأبيض) ومقر الكونغرس (الكابيتول)، إلى جانب العديد من الهيئات والمؤسسات الحكومية الكبرى. لكن رغم مكانتها الفريدة، تظل واشنطن العاصمة منطقة فدرالية خاصة وليست ولاية. فما القصة وراء ذلك؟ ولماذا تفتقر للتمثيل الكامل في الكونغرس، رغم أنها عاصمة القرار الأمريكي؟
تأسيس واشنطن العاصمة: حلم الحياد السياسي
في أواخر القرن الثامن عشر، وبعد استقلال الولايات المتحدة، رأى الآباء المؤسسون ضرورة إنشاء عاصمة فدرالية تكون مستقلة عن أي ولاية بعينها، لتجنب التأثيرات المحلية على الحكومة الفدرالية. وفي عام 1790، قرر الكونغرس تخصيص منطقة مستقلة تُعرف بـ”مقاطعة كولومبيا” لتصبح عاصمة دائمة للبلاد. وجرى اقتطاع هذه المنطقة من أراضي ولايتي ماريلاند وفيرجينيا، ما يجعلها منطقة محايدة تخضع مباشرةً لإدارة الكونغرس، بعيدةً عن سيطرة أي ولاية.
الوضع الانتخابي: ثلاثة أصوات، لكن دون تمثيل كامل
رغم عدم اعتبارها ولاية، إلا أن واشنطن العاصمة نالت حق التصويت في الانتخابات الرئاسية من خلال التعديل الثالث والعشرين للدستور، الذي أُقر في عام 1961. ومنذ ذلك الحين، أصبحت العاصمة تتمتع بثلاثة أصوات في المجمع الانتخابي، وهو ما يتيح لسكانها التصويت لرئيس ونائب الرئيس. ومع ذلك، فإن هذا الحق يظل محدودًا إذا قورن بحقوق الولايات، حيث لا يملك سكان العاصمة حق التصويت في الكونغرس إلا من خلال ممثل غير مصوِّت، ما يعني أن لهم صوتًا رمزيًا لكنه غير مؤثر في صنع القوانين الفيدرالية.
هل يمكن أن تصبح واشنطن العاصمة ولاية؟
ظل تحويل واشنطن العاصمة إلى ولاية موضوعًا حساسًا ومحل جدل لسنوات طويلة. هناك العديد من الأصوات التي تنادي بتحويلها إلى ولاية، وهو ما من شأنه أن يمنح سكانها حق التمثيل الكامل في مجلسي الشيوخ والنواب. فهؤلاء السكان، البالغ عددهم نحو 700 ألف نسمة، يرون أن وضعهم الحالي يحرمهم من حقوق أساسية في نظام ديمقراطي، حيث يدفعون الضرائب ويشاركون في بناء اقتصاد البلاد، دون أن يحصلوا على تمثيل متكافئ.
التوازن السياسي ورفض بعض الأطراف
في المقابل، ترى بعض الأطراف، خاصة المحافظين، أن تحويل واشنطن العاصمة إلى ولاية قد يؤثر على التوازن السياسي داخل الكونغرس. واشنطن العاصمة تميل تاريخيًا للحزب الديمقراطي، ومنحها وضع الولاية قد يضيف مقعدين ديمقراطيين في مجلس الشيوخ وعددًا من الممثلين في مجلس النواب، مما يؤثر على التوازن بين الحزبين في المؤسسة التشريعية. لهذا السبب، يواجه مشروع تحويل العاصمة إلى ولاية معارضة قوية، ويظل موضع نقاش مستمر بين مختلف الأطراف السياسية.
هل يتغير الوضع يومًا؟
يبقى وضع واشنطن العاصمة مسألة فريدة تعكس تعقيدات النظام الفدرالي الأمريكي. وبين مطالب السكان بالتمثيل الكامل ودعوات الحفاظ على التوازن السياسي، يظل السؤال قائمًا: هل ستُعامل واشنطن العاصمة كولاية في يوم من الأيام، أم ستظل منطقة خاصة، قلبًا للسياسة الأمريكية ولكن دون صوت كامل في صنع القرار؟