بلال الخلف – تفاصيل برس
شهدت أسعار الذهب، خلال العقود الأربعة الماضية، تقلبات دراماتيكية عكست التحولات الكبرى في الاقتصاد العالمي والأزمات السياسية والحروب، وصولاً إلى الذروة التاريخية في مايو/أيار 2025، حين تجاوز سعر الأونصة الواحدة حاجز 3198 دولاراً، وفق بيانات صادرة عن موقع Macrotrends.
منذ عام 1980، حيث بلغ سعر الأونصة 614 دولاراً، كان الذهب يعاني من موجات صعود وهبوط مرتبطة بتقلبات أسعار النفط، وتغيرات السياسات النقدية، وصدمات الأسواق العالمية. إلا أن القفزة الأكبر جاءت خلال العقد الأخير، في ظل تصاعد المخاوف من التضخم العالمي، والتوترات الجيوسياسية، والاضطرابات المصرفية في عدد من الاقتصادات المتقدمة.
تحولات مؤثرة
في عام 1985، تراجع الذهب إلى 317 دولاراً، في ظل سياسات تقشفية في أمريكا، وسيطرة الدولار على الأسواق العالمية. ثم بدأ تدريجياً بالتعافي في تسعينيات القرن الماضي، ليستقر عام 2000 عند 279 دولاراً، وهو أحد أدنى المستويات في التاريخ الحديث.
قد يهمك: أسعار الذهب تتراجع إلى أدنى مستوى في أكثر من شهر
لكن بداية الألفية الجديدة شهدت تحولات كبرى، أبرزها أحداث 11 سبتمبر، والحرب على العراق، والأزمة المالية العالمية في 2008. فارتفع سعر الذهب إلى 1226 دولاراً عام 2010، ثم إلى 1773 دولاراً عام 2020، متأثراً بجائحة كورونا وعمليات الطبع الواسعة للنقود من قبل البنوك المركزية.
التسارع الكبير في الأسعار بدأ فعلياً بعد عام 2022، حيث صعد الذهب إلى 1801 دولاراً، ثم 1856 دولاراً في 2023، وتجاوز 2790 دولاراً في 2024، وصولاً إلى القمة الحالية عند 3198 دولاراً للأونصة. وهو ما يعكس ليس فقط ضعف الثقة بالعملات الورقية، بل أيضاً تحوّل الذهب إلى ملاذ آمن في عالم يزداد اضطراباً.
ما الذي يدفع هذه الارتفاعات؟
يرى خبراء الاقتصاد أن الأسباب متعددة، أبرزها:
- القلق الجيوسياسي: تصاعد النزاعات الدولية (مثل حرب أوكرانيا)، والتوترات في الشرق الأوسط، والسياسات الصينية التوسعية.
- تراجع الثقة في الدولار: نتيجة الديون الأمريكية الضخمة وتراجع التصنيف الائتماني.
- التحول نحو الأصول الآمنة: مع تصاعد التضخم، ورفع الفوائد، يلجأ المستثمرون إلى الذهب كأداة حفظ للقيمة.
- الطلب الصناعي والاستثماري: خاصة من البنوك المركزية والصناديق السيادية.
هل يواصل الذهب صعوده؟
رغم أن البعض يرى في هذه المستويات إشارات فقاعة، إلا أن الاتجاه العام لا يزال صعودا، خصوصاً مع استمرار التوترات الاقتصادية والنقدية. ويعتقد محللون أن الذهب قد يلامس حاجز 3500 دولار خلال عام 2026 إذا استمرت العوامل الحالية.
الخلاصة، إن الذهب ليس فقط معدناً ثميناً، بل مرآة صادقة للاقتصاد العالمي، وإذا كانت الأسعار تعكس شيئاً اليوم، فهو أن العالم يعيش في مرحلة انعدام ثقة حادة… وكلما ازدادت المخاطر، ازدادت بريق الأونصة.
فهل نعيش زمناً عاد فيه الذهب ملكاً؟ قد تكون الإجابة نعم، طالما بقيت الأرض تهتز تحت أقدام الأسواق.