عبد الرحمن رياض – تفاصيل برس
خلال مشاهدتي لمقابلة وزير النقل السوري في الحكومة الانتقالية على منصة “إرام للأعمال”، لم أتمكن من إخفاء إعجابي بمستوى الحضور والوضوح في الطرح، وكذلك الحماسة التي عبّر بها عن رؤيته لمستقبل قطاع النقل في سوريا. بدا الوزير صادقًا ومُلمًا بكل التفاصيل، من التحديات اليومية التي يعيشها المواطن في المواصلات إلى المشاريع الكبرى التي تطمح الوزارة إلى تحقيقها على المدى البعيد.
لفت نظري بدايةً انفتاحه على الاستثمارات الخارجية، حيث أشار إلى زيارات وفود من الصين والأردن وتركيا، جميعهم أبدوا رغبتهم في الاستثمار في قطاع النقل، كما أكد الوزير أن وزير النقل التركي عبّر بشكل واضح عن دعمه للاستثمار، خاصة في المشاريع الإسعافية التي تخدم المواطنين بشكل مباشر. هذا الانفتاح يمنح انطباعًا بأن سوريا تستعد فعليًا لتكون جزءًا من خارطة الاستثمار الدولية مجددًا.
الحديث عن تلقي هبة من بيلاروسيا مؤلفة من 50 باصًا، كان بمثابة إشارة إلى بداية ملموسة لتحسين النقل الجماعي. لكن ما شدني أكثر كان تركيز الوزير على السكك الحديدية، سواء في استعادة خطوطها الداخلية أو ربطها إقليميًا بدول الجوار مثل الأردن وتركيا والعراق، مرورًا بإحياء مشروع محور دمشق – حلب بالتعاون مع الحكومة الإيطالية ورفع سرعة القطارات إلى 160 كم في الساعة. هذا النوع من الطموح يفتقده الكثير من وزراء النقل في المنطقة.
لم يغفل الوزير النقل داخل المدن، فقد تحدث عن مشروع مترو دمشق بانسيابية ووضوح، مشيرًا إلى المسار من القابون إلى السومرية وتقاطع الخط بمحطة الحجاز، إلى جانب أربعة خطوط فرعية تربط مناطق حيوية في العاصمة والمحيط. الأهم من ذلك هو الرؤية العمرانية المرافقة، مثل مشروع الخمسين دونمًا في القابون الذي يجمع بين محطة قطار ومترو ومول تجاري ومكاتب، وهي فكرة متقدمة تعكس تفكيرًا تكامليًا بعيدًا عن النمط التقليدي للبنية التحتية.
كما أدهشني حديثه عن مشروع الطرق المأجورة ذات الكفاءة العالية والسرعة، مع إبقاء خيار الطرق المجانية قائمًا، ما يدل على وعي اجتماعي لا يُغفل حاجة المواطن البسيط. وفي هذا السياق، أشار الوزير أيضًا إلى أهمية محطات حسيا اللوجستية، التي ستتعدى وظيفة التخزين لتصبح مراكز فرز وتصنيع وتوفير فرص عمل.
في ملف السيارات، شرح الوزير بموضوعية كبيرة حيثيات دخول 100 ألف سيارة جديدة منذ 2011، وطمأن بأن الرقم ليس مقلقًا مقارنة بمليوني مركبة موجودة في سوريا. كما أبدى رغبة حقيقية في تحفيز المواطنين على التوجه نحو السيارات الكهربائية، وأوضح أنه سيتم تقديم تسهيلات وضمانات تشجيعية.
أعجبتني جدًا طريقته في الربط بين المشكلات الآنية والحلول المستقبلية. فعندما تحدث عن الموازنة الإثني عشرية وعدم توفر موازنة طويلة الأجل حتى منتصف 2025، لم يبرر أو يشتكِ، بل ركّز على المرونة في الإنفاق والقدرة على الاستمرار رغم التحديات. كما شدد على أن الشركات الاستثمارية ستسترد نفقاتها تدريجيًا، وهو ما يعكس فهماً اقتصاديًا سليمًا.
بالمجمل، بدا وزير النقل متماسكًا، واقعيًا وطموحًا في الوقت ذاته. لقد خرجت من المقابلة بانطباع قوي أن هذا الرجل ليس فقط وزيرًا يؤدي وظيفته، بل هو قائد ميداني يمتلك رؤية واضحة ويعرف كيف يترجمها إلى مشاريع ملموسة. إن ما يميز هذا الوزير بحق هو أنه لا يكتفي بالكلام، بل يربط كل تصريح بخطوة تنفيذية، وكل فكرة بخطة قابلة للقياس.
في ظل هذه المرحلة الدقيقة التي تمر بها سوريا، أجد أن هذا النموذج من الوزراء هو ما نحتاجه فعلاً: مسؤولون يوازنون بين الواقعية والطموح، ويعرفون أن التنمية تبدأ من إعادة ثقة الناس بالحكومة… والبداية تكون من النقل، لأن من يصل يُمكنه أن يبني.