بلال الخلف – تفاصيل برس
باسم ياخور لم يعتذر، لم يبرر، لم يتراجع، عاد إلى سوريا بخطى واثقة كأنّه لم يخن ذاكرة أحد، كأنّ المذابح كانت نشرة جوية، وكأنّ المسالخ البشرية مجرّد إشاعة عابرة على وسائل التواصل، وقف على أرض دمشق كأن شيئاً لم يكن، وكأن عيون الحولة وخنق الكيماوي لم ترسم له ملامح الجريمة.
في أحد الأيام، ظهر ياخور مدافعًا عن موقفه المؤيد لنظام الأسد، واعتبر أن الأمر لا يعدو كونه “اختلافًا في وجهات النظر”، تمامًا كما يختلف الناس على طعم القهوة. لكن “وجهة النظر” هذه تسببت بقتل مئات الآلاف، وتهجير الملايين، وإغراق البلاد في دماء لا تجف. وجهة نظر ياخور كانت مؤيدة لنظام يقطع الحناجر، ويهدم البيوت على رؤوس أصحابها، ويحوّل السجون إلى أقبية موت لا يخرج منها إلا الأشباح.
ثم يعود باسم. يعود دون أن تُمس له شعرة، دون أن يُسأل عن موقف، دون أن يخضع لأي تفتيش أخلاقي أو محاسبة رمزية. بينما نعرف جميعًا، ونعرف جيدًا، أن لو عاد فنانون مثل فارس الحلو، أو عبد الحكيم قطيفان، أو مازن الناطور، فستكون عودتهم كمن يدخل فم الذئب بقدميه. هؤلاء لم يكونوا متشددين، ولا إرهابيين، ولا دعاة فوضى… كانوا فقط أحرارًا، وهذا ما لا يغفره النظام.
أما الإسلاميون – أولئك الذين طالما خاف منهم باسم في خياله الطائفي المسعور – فقد سمحوا له بالدخول والخروج من مناطقهم دون أن يُفرض عليه شيء، لا عقيدة، لا طقوس، لا اعتراف ولا توبة. لم يسألوه عن مواقفه، ولم يُهددوه بما تهدده به “الدولة العلمانية” التي طالما تغنى بها.
إن منتهى الوقاحة تتجسد في عبارته الشهيرة: “أنا شو مصلحتي أعمل كذا؟”. لا مكان للقيم، للحق، للإنصاف، في معجم باسم ياخور. كل شيء يُقاس بـ”المصلحة”. المصلحة فقط. كان مع النظام لأنه مستفيد. كان صامتًا عن الكيماوي لأنه لا مصلحة في الكلام. كان متفرجًا على مجازر داريا ودوما وأحياء حلب لأنه لا يجد في الدفاع عن الضحايا “مبررًا دراميًا” كافيًا لكي يكون محترمًا.
لم يكن بحاجة لشيء سوى أن يظل في دائرة الضوء، ولو كان هذا الضوء منبعثًا من نار تشتعل في أجساد الأطفال.
وحين عاد، لم يكن العار من نصيب النظام وحده… بل من نصيب كل من صفق له، وفتح له الأبواب، واستقبله بضحكات صفراء.
لكننا لا نراهن كثيرًا على المحاكم، ولا على لجان العدالة، ولا على شاشات التلفاز. الرهان الحقيقي هو على الناس. على طفل يرى باسم في الشارع فلا يبتسم. على شاب يبصق عند مروره. على امرأة تغلق النافذة حين تسمع صوته. على جمهور يعرف أن بعض الجراح لا تُشفى، وأن بعض الخيانات لا تُغتفر.
إن دخول باسم ياخور إلى سوريا لم يكن نصرًا له، بل كان فضيحة جديدة تسجَّل باسمه. لقد دخل كي يزدريه الناس، دخل ليتعلم أن عقوبة الشعب أشد من عقوبة السلطة. فالدولة قد تسجنك، قد تُرهبك، لكن الشعب حين يحتقرك… يجردك من المعنى، من القيمة، من الذكر الطيب.
ومتى سقط النظام، لن يسقط وحده.. بل ستسقط معه كل “المصالح” التي ظن باسم ياخور أنها درعه من الحقيقة.