بلال الخلف – تفاصيل برس
في عالم تتزايد فيه الأزمات الجيوسياسية، أصبحت العقوبات الاقتصادية أداة رئيسية في يد القوى الكبرى لإعادة تشكيل التوازنات الدولية، دون الحاجة إلى إطلاق رصاصة واحدة.
وخلال العقد الماضي (2013 – 2023)، سجّل العالم موجة غير مسبوقة من هذه الإجراءات العقابية، التي شملت دولًا من مختلف القارات، وبأسباب متعددة، من السياسة والأمن إلى حقوق الإنسان والتكنولوجيا.
الولايات المتحدة تتصدر.. والغرب يفرض
بحسب تقرير صادر حديثًا عن مركز “نورس للدراسات”، جاءت الولايات المتحدة في المرتبة الأولى عالميًا من حيث عدد العقوبات المفروضة خلال السنوات العشر الماضية، بواقع 1,105 حالة، وهو ما يعكس اعتمادها الواسع على هذه الأداة كجزء من استراتيجيتها الخارجية.
في المرتبة الثانية، حلّ الاتحاد الأوروبي بـ 703 حالات، ثم بريطانيا بـ 205 حالات، تلتها كندا (147)، أستراليا (89)، اليابان (83)، وكوريا الجنوبية (56)، مما يشير إلى تنسيق متصاعد بين دول ما يُعرف بمحور الحلفاء الغربيين.
روسيا وإيران والصين.. في مرمى العقوبات
أما الدول الأكثر استهدافًا بالعقوبات خلال الفترة الممتدة بين عامي 2023 و2024، فتصدّرتها روسيا بنسبة 63% من إجمالي العقوبات المفروضة عالميًا، في ظل استمرار الحرب في أوكرانيا والاصطفاف الغربي ضد موسكو.
وجاءت إيران في المرتبة الثانية بنسبة 14%، استمرارًا للضغوط الدولية المتعلقة ببرنامجها النووي وتدخلاتها الإقليمية، ثم الصين بـ 9%، نتيجة ملفات حقوق الإنسان، تايوان، والتكنولوجيا المتقدمة.
كما شملت العقوبات كوريا الشمالية (6%)، وسوريا (3%)، مع الإشارة في التقرير إلى أن “معظم العقوبات المفروضة على سوريا تم تعليقها أو رفعها مؤخرًا، في ظل تحولات سياسية واقتصادية إقليمية”.
فيما توزّعت النسبة المتبقية (7%) على دول أخرى مثل فنزويلا، ميانمار، وبيلاروسيا.
هل العقوبات فعّالة أم عقاب جماعي؟
يطرح تقرير “نورس للدراسات” تساؤلًا جوهريًا: هل لا تزال العقوبات أداة فعالة لتحقيق أهداف سياسية واستراتيجية؟ أم أنها باتت تُفاقم من معاناة الشعوب وتدفع الحكومات المستهدفة إلى البحث عن تحالفات بديلة؟
ويشير التقرير إلى أن العالم دخل مرحلة ما يُعرف بـ”تشبّع العقوبات”، مما يدفع عددًا متزايدًا من الدول إلى تطوير نظم مالية واقتصادية موازية، بعيدًا عن النظام المالي الغربي التقليدي، في محاولة لتقليص تأثير هذه العقوبات والتحايل عليها.
بين الحرب الناعمة والارتدادات القاسية
الرسالة الأوضح التي ينقلها التقرير هي أن العقوبات باتت سلاحًا ناعمًا لكن فتاكًا، لا يحتاج إلى جيوش ولا قواعد عسكرية، بل إلى قرارات سياسية وإجراءات مصرفية. إلا أن ارتداداته، في كثير من الحالات، تكون أكثر قسوة على الشعوب من الأنظمة المستهدفة.