عبد الله عبدون – تفاصيل برس
كثيرا ما تُختزل الزيارات الرسمية إلى بعدها البروتوكولي، لكن حين يزور رئيس دولة أُخرجت لعقد من الزمن من المشهد العربي عاصمة خليجية بحجم الكويت، فإن لكل تفصيلة في التوقيت والترتيب دلالة أبعد من المجاملة السياسية… لم تكن زيارة الرئيس السوري أحمد الشرع إلى الكويت مجرّد استكمال لجولة عربية، بل جاءت محمّلة برسائل دقيقة، وبتوقيت لا يخلو من الحسابات الهادئة — لا سيما أنها جاءت بدعوة رسمية من أمير البلاد، ما أضفى عليها وزنا سياسيا خاصا..
في سياق الانفتاح العربي على دمشق، جاءت جولة الشرع إلى دول الخليج باعتبارها الخطوة الأكثر تعقيدًا واختبارا … بدأت الزيارة من العواصم ذات الثقل السياسي والاقتصادي الأكبر : الرياض، أبوظبي، الدوحة، المنامة؛ في محاولة لترميم العلاقة مع أطراف كانت مواقفها من الأزمة السورية أكثر حدة، وأكثر انخراطا … أما الكويت، فقد تم اختيار توقيتها بعناية، لا لكونها المحطة الأخيرة، بل لأنها المحطة الأهدأ..
الكويت، بعكس القراءة المتسرعة، لم تكن مؤجلة أو مُهملة.. ترتيب المحطات لم يكن ترتيبا زمنيا عشوائيا، بل سياسيا محسوبا… فدمشق كانت بحاجة أولاً إلى إعادة بناء الجسور مع مراكز القرار الأكثر صخبا، ثم التوجّه إلى من يمثل الصوت المتزن والهادئ في الخليج .. فالكويت ليست مجرد عاصمة خليجية، بل نقطة توازن، قادرة على أن تصغي وتجمع، دون أن تُستدرج إلى اصطفاف أو مواجهة..
وإن كانت عمان، التي لم تشملها الجولة حتى الآن، تُعد ضمن ذات المحور الهادئ، إلا أن خصوصية العلاقة السورية-العمانية لا تتطلب تأكيدات علنية، وهي محفوظة بثباتها التاريخي وهدوئها التقليدي. وبالتالي، فإن تأجيل زيارتها لا يعني استبعادا، بل تأجيلاً طبيعيا لا يُفسد المعنى العام للجولة ولا ترتيبها وغالبا سيزور عمان بعد الكويت وبذلك يكون قد أنهى جولته في الخليج العربي..
أما العلاقات بين دمشق والكويت، فرغم ما اعتراها من فتور خلال سنوات الحرب، فإنها لم تنقطع تماما، وظلت تحتفظ بخيط دبلوماسي غير معلن، يتجلى في مواقف الكويت المتزنة، ومبادراتها الإنسانية التي لم تغلق أبوابها يوما … لم تدخل الكويت في معارك خطابية، ولم تُمارس ضغطا مباشرا، بل بقيت في دائرة المتريّث، تنتظر اللحظة السياسية الأنسب للعودة دون ضجيج .. ويبدو أن دعوة أمير الكويت للرئيس أحمد الشرع إلى زيارة البلاد لم تكن سوى تعبير مباشر عن نضوج تلك اللحظة..
اليوم، وبعد أن بدأت دمشق ترسم طريقها للعودة العربية بطريقة متدرجة، هادئة، تُجنبها المواجهات العبثية، تأتي زيارة الكويت لتشكل لحظة استيعاب وتهدئة، لا لحظة تحدٍ أو استعراض .. الكويت، بما تمثله من اعتدال سياسي، تبدو الشريك الأمثل في مرحلة تُبنى فيها التفاهمات لا الاشتراطات..
من جانبها، لم تخفِ الكويت يوما رغبتها في وحدة سوريا واستقرارها، لكنها تعاملت دائما بحذر مع تفاصيل الملف، حفاظا على دورها كوسيط محتمل لا طرف في نزاع .. ولهذا تحديدا، تحمل زيارة الشرع إليها طابعا مختلفا عن بقية المحطات: فهي ليست تتويجا رمزيا لجولة دبلوماسية، بل لحظة اختبار للخيارات السياسية الممكنة، حين تُبنى بعيدا عن الضغوط والانفعالات..
وليست زيارة الكويت فصل الختام في المشهد العربي السوري، بل منعطف نحو مقاربة أهدأ تعيد الاعتبار للسياسة الهادئة… ودمشق، باختيارها هذا التوقيت، لا تطرق أبواب السياسة الخليجية من موقع العائد المنكسر، بل من موقع من يحسن قراءة المزاج السياسي، ويفهم جيدا أن بعض العواصم لا يُقصدها إلا حين تنضج اللحظة .. والكويت، في هذا المشهد، كانت دائما عاصمة اللحظات الناضجة.