إدلب – تفاصيل برس (خاص)
في أروقة الخيام المهترئة، حيث تتقاطع القصص اليومية مع مرارة الانتظار، يعيش آلاف اللاجئين من قرى ريف خان شيخون الشرقي – كالتّمانعة، السكيات، الخوين، أم جلال، والرفة – على أملٍ مؤجل بالعودة إلى قراهم.
لكن هذا الأمل، رغم حضوره الدائم في الذاكرة، يصطدم بواقع قاسٍ يجعل من التفكير بالعودة قرارًا محفوفًا بالخطر.
اللاجئون لا يرفضون الرجوع، بل يستبعدونه مؤقتًا حتى تتوفر أبسط مقومات الأمان والخدمات، في ظل غياب الكهرباء، وانتشار الألغام، وتدمير البنية التحتية، وتفشي الآفات، وانعدام الرعاية الصحية.
ألغام ومخلفات حرب.. خطر دائم
أول ما يواجه من يخطط للعودة هو الموت الصامت المدفون تحت التراب.
الألغام الفردية والمخلفات الحربية والقنابل العنقودية تنتشر بكثافة في الطرقات والمنازل والمزارع.
حتى اللحظة، لا توجد أي فرق متخصصة بإزالتها أو خرائط واضحة لمواقع انتشارها.
“كل من فكر بالعودة، عاد ليهرب من جديد بعد أن شهد انفجارًا أو إصابة”، يقول أحد سكان المخيمات ممن ينحدرون من قرية التمانعة.
ويضيف: “عدتُ لأتفقد منزلي، وعثرتُ على قنبلة عنقودية قرب غرفة أطفالي. لا يمكن أن أعرّض أسرتي لهذا الخطر.”
لا كهرباء.. ولا بنية تحتية
من يزور القرى الآن، لن يرى سوى الهياكل الإسمنتية المدمرة، وبعض الخيام التي نصبها من خاطروا بالعودة.
الكهرباء مقطوعة بشكل كامل، ولا توجد خطوط جديدة أو جهود لصيانة الشبكات القديمة.
بدون كهرباء، تتوقف الحياة: لا مياه، لا إنارة، ولا قدرة على تبريد الأدوية أو حفظ الطعام.
“حتى هذه اللحظة نحن نعيش على أمل عودة التيار الكهربائي لنبدأ العودة إلى قريتنا”، تقول لاجئة من قرية السكيات.
وتضيف: “يكفينا أن تصل الكهرباء، حتى لو اضطررنا لنصب خيمة بجانب ركام منزلنا المهدم. لا نحتمل هذا الحر الشديد”.
إعادة الإعمار.. غائب عن الطاولة
رغم مرور أكثر من ستة أشهر على انتهاء المعارك في تلك القرى، لم تظهر أي جهة نية حقيقية للبدء بإعادة الإعمار.
لا مدارس، لا مراكز خدمية، ولا مشاريع لإصلاح ما تهدم.
الطرقات لا تزال محفّرة، والجدران تتهاوى على من يحاول الاستقرار فيها.
“منزلنا تحوّل إلى كومة من الحجارة، ولم أرَ موظفًا واحدًا جاء ليسأل إن كنا سنعود أو لا”، يقول شاب من أم جلال.
الأفاعي والعقارب.. خطر من نوع آخر
مع غياب السكان، عادت الطبيعة لتفرض نفسها على القرى، لكن بطابع عدائي.
الأهالي يعثرون على كميات هائلة من الأفاعي بين الأنقاض وفي محيط المنازل، ويخشون على حياة أطفالهم.
البيئة المتروكة أصبحت موطنًا للزواحف السامة والعقارب، ولا توجد أي حملات رش أو مكافحة.
“لدغت العقارب ثلاثة من أطفالي خلال أسبوع واحد، وليس لدي دواء حتى للأسعاف الأولي”، يقول رب أسرة عاد لفترة قصيرة إلى قرية الرفة ثم غادر مجددًا.
لا صحة ولا إسعاف
تفتقر تلك المناطق لأي مركز صحي فعّال أو نقطة إسعافية قريبة، الحالات الحرجة تُنقل بشكل بدائي عبر دراجات نارية أو سيارات مهترئة إلى مناطق بعيدة.
وفي كثير من الأحيان، يتسبب هذا التأخير في فقدان الحياة. “أُصيب شقيقي بانفجار لغم، ونقلناه 40 كيلومترًا على دراجة. نزف حتى الموت قبل أن نصل”، يقول أحد سكان الخوين.
موسم زراعي سيء.. والمخيمات تخنق
زاد من تعقيد الوضع هذا العام ضعف الموسم الزراعي، بسبب شحّ الأمطار وقلة الإنتاج.
باتت الأسر تعيش على مساعدات لا تكفي لأيام، ومع ذلك لا تفكّر بالعودة بسبب الظروف الكارثية في القرى.
شخصيات محلية طالبت – دون ذكر أسمائها – بضرورة تحرّك المنظمات الإنسانية والمجالس المدنية لإزالة الألغام، توفير الكهرباء، وبدء مشاريع الإعمار.
كما دعت لتأمين مراكز صحية متنقلة وفرق تدخل إسعافي، باعتبار ذلك شرطًا أوليًا لعودة آمنة وكريمة.
العودة معلّقة حتى إشعار آخر
العودة إلى قرى ريف خان شيخون الشرقي ليست حلمًا بعيدًا فحسب، بل قرارًا مستحيلًا في الظروف الراهنة.
الخطر يطوّق المكان من كل الجهات: تحت التراب، وفي الهواء، وبين جدران البيوت المهجورة.
ويبقى اللاجئون في المخيمات، لا لأنهم اختاروا البقاء، بل لأن قراهم لم تعد تصلح للحياة.