بارعة جمعة – تفاصيل برس
تأتي التوجهات الاقتصادية التي سعت من خلالها الحكومة إلى دخول استثمارات جديدة للبلاد وبمختلف القطاعات، كخطوة لتعزيز التوجه نحو تحرير السوق السورية، كما ترجمت اتفاقيات الطاقة الموقعة مع شركات عالمية رائدة فكرة التحول بهذا الاتجاه ضمن خطوات عملية.
وأكد الخبراء والمهتمون بالشأن الاقتصادي إيجابية هذه الاتفاقيات لجهة توفير ساعات أكثر من التغذية الكهربائية في عموم البلاد، محذرين بالوقت نفسه من تبعات هذا التحسن المرافق مع أعباء مادية كبيرة لا تحملها قدرات المواطن السوري، وسط تراجع الدخل والقوة الشرائية وعدم وضوح آلية حساب فواتير الكهرباء المنزلية بالتزامن مع توفر الكهرباء.
نفقات إضافية
تعاني الكهرباء كغيرها من السلع التي تحررت أسعارها أعباء إضافية، تنعكس بالضرورة على المستهلك، الذي لم يسلم من موجة الارتفاعات في كل مرحلة تواجه الاقتصاد السوري.
عضو غرفة تجارة دمشق محمد الحلاق يوضح في حديثه “لتفاصيل برس” أن ما أصاب المحروقات والخبز بعد تحرير أسعارها استنزف طاقة المواطن المادية ودفعته لتخفيف الاستهلاك منها في كثير من الاحيان.
وينسحب الأمر برأي الحلاق على واقع الشركات التي تحملت نفقات كبيرة في أداء التزاماتها لموظفيها، حيث أن الحد الأدنى للأسرة السورية لضمان حياة كريمة حوالي 200 دولار، وبعد تحرير الاسعار تضاعفت لما يقارب 350 دولار.
معادلة غير متوازنة، دفعت بالكثير من الأسر لحساب تبعات تحسن الواقع الكهربائي، الذي سيفرض بالضرورة أعباء جديدة عليها وفق الحلاق، داعياً لتأمين الحد الأدنى للأجور البالغ 200 دولار معفى من ضريبة الدخل، بما يؤمن استيعاب الزيادة المتوقعة بفواتير الكهرباء المنزلية لدى العائلات.
آلية توفير الخدمة
يشير عضو غرفة تجارة دمشق إلى أن الالتزام بمبدأ الاتفاقيات من خلال توفير الكهرباء بالسعر العالمي، يجب أن يرافقه وجود أكثر من جمعة تقدم الخدمة (بين 4 – 6) جهات على الأقل، بهدف تأمينها بشكل كامل.
ويستدرك الحلاق شارحاً انعكاسات قيمة الفاقد الكهربائي الذي يبلغ وفق تقديراته 35٪ وهي نسبة الكهرباء المسروقة، ليبدو الارتفاع المتوقع بها يصل لحوالي 45٪ مع توفر الكهرباء، مبيناً أن من يبادر للالتزام بدفع الفواتير هو من يتحمل ضريبة التهرب، لذا لا بد من دخول القطاع الخاص ضمن هذه الجزئية، لكونه الأكثر قدرة على ضبط المسؤولين عن التهرب ومحاسبتهم.
الأثر الاجتماعي للتحسن
وفي ذات السياق يرى الباحث الاقتصادي محمد السلوم من حلب أن التوجه الجديد نحو الاستثمار بقطاع الكهرباء في سوريا عبر شراكات دولية بين القطاعين العام والخاص، لا بد أن يتبعه خطوات أخرى، لا سيما المتعلقة بشريحة الموظفين وأصحاب الدخل المحدود، ممن يشكّلون القاعدة الأكبر في المجتمع السوري.
وبحسب ما يتم تداوله، فإن هذه المشاريع تهدف إلى تحسين التغذية الكهربائية، لتصل إلى نحو 12 ساعة تشغيل يومياً خلال الفترة القريبة، مع خطط للوصول إلى تشغيل شبه كامل خلال ثلاث سنوات.
السّلوم بتصريحه “لتفاصيل برس” يعتبر بأن التحسّن المُرتقب في الخدمة يعد تطوراً إيجابياً، منتقداً بالوقت ذاته غياب المعلومات حول سياسة التسعير المستقبلية حتى اللحظة، ما يثير برأيه الكثير من التساؤلات المشروعة حول ملاءمة التسعيرة مع واقع الدخل الحالي للموظفين، الذي لا يتجاوز في الغالب 35 دولاراً شهرياً وسطياً لدى موظفي القطاع العام.
ويحذر الباحث الاقتصادي من مخاطر عدم اقتران المشاريع بخطط موزاية لزيادة الأجور والرواتب، أو على الأقل تسعير عادل ومتناسب مع الدخل، والتي ستنعكس بأن تتحول أي تكلفة جديدة للكهرباء – مهما كانت محسوبة من وجهة نظر استثمارية – إلى عبء إضافي على المواطن المنهك من ارتفاع أسعار الغذاء والدواء والمواصلات.
تجارب محلية
وفي مقارنة بسيطة، يقدم السلوم نموذج التجربة في مناطق شمال سوريا (مناطق سيطرة الإدارة الذاتية – قسد، إدلب) بوصفها مؤشر لافت، حيث تم تركيب عدادات ذكية مسبقة الدفع، مع تشغيل يومي يقارب 12 ساعة، وتبلغ فاتورة الكهرباء عندهم من 2 إلى 4% فقط من متوسط دخل الموظف، الذي يصل إلى 120 دولاراً، وهي نسبة مقبولة اجتماعياً ويمكن البناء عليها، كنموذج مرن لعدالة الطاقة.
ويؤكد السلوم أنه في حال انطلقنا من هذه التجارب، يتوجب علينا ضمان نجاح أي مشروع كهربائي مستقبلي، الذي لا بد أن يقوم على ثلاث دعائم رئيسية، أولها: الشفافية في التسعير وربط الفاتورة بنسبة عادلة من الدخل الشهري، وثانيها: التدرج في تطبيق التسعيرة ضمن شرائح استهلاك مختلفة تراعي ذوي الدخل المحدود، وثالثها: القيام بإصلاح هيكلية الأجور ضمن القطاع العام، بما يتماشى مع أي تكاليف جديدة تُفرض على المواطنين.
كل ذلك يرتبط بمسألة أن الطاقة ليست رفاهية، بل حق أساسي يرتبط مباشرة بالكرامة المعيشية للمواطن، وأي تحسن في تقديم الخدمة، يجب ألا يكون على حساب الحد الأدنى من العدالة الاجتماعية.