إبراهيم مخلص الجهني- تفاصيل برس
في خضم التخبط المستمر في سعر صرف الليرة السورية، ومع كثرة الحديث عن خطط قادمة لإعادة هيكلة النظام النقدي من خلال حذف الأصفار، طرح الخبير الاقتصادي جورج خزام عبر صفحته الرسمية على فيس بوك سلسلة أفكار وتوضيحات تقنية تضيء على ما يمكن أن يشكل ملامح أولية لمشروع إصلاحي نقدي سوري، بعيداً عن الرؤية الكلاسيكية التي تربط الإصلاح فقط بتثبيت السعر أو الإعلان المسبق عنه.
المركزي لا يحتاج لمعرفة الكتلة النقدية بدقة
يبدأ خزام بطرح قد يبدو صادماً لأول وهلة، بأن المصرف المركزي لا يحتاج أن يعرف بدقة كمية الأوراق النقدية المتداولة بالليرة السورية قبل إصدار “النيو ليرة”، وذلك لأن الإجراء لا يفترض استبدال فوري وكامل للأموال المتداولة، بل سيتم طباعة كمية أكبر من “نيو ليرة” من حجم الكتلة النقدية الحالية، على أن يتم طرح ما يطلب فقط من خلال عمليات الاستبدال.
يشير خزام إلى أن ورقة 5000 ليرة سورية الحالية يمكن أن تبقى قابلة للتداول بقيمة 50 نيو ليرة (في حال حذف صفرين)، وهو ما يُبقي الارتباط الرمزي بين العملة القديمة والجديدة، ويساعد في إدارة الانتقال النقدي، ويرفض خزام بشكل قاطع فكرة الإعلان المسبق عن سعر افتتاحي لنيو ليرة مقابل الدولار، موضحاً أن المرحلة الأولى يجب أن تُركّز على استبدال العملات فقط دون التدخل بسوق الصرف، على أن يليها مرحلة ثانية يتم فيها التحكم بكمية السيولة بالنيو ليرة والدولار للوصول إلى التوازن النقدي المطلوب.
قلة الطرح تعني قوة الصرف
وفق التحليل الذي يقدمه الخبير فكلما كانت كمية “نيو ليرة” المطروحة في السوق أقل، انخفض سعر صرف الدولار، نظرياً، وهي فكرة مستندة إلى مبدأ بسيط: كلما قل العرض النقدي، زادت قيمة العملة، لكن تطبيق هذه النظرية يتطلب أدوات دقيقة لضبط الطلب ومنع المضاربة.
يرى خزام أن أي تثبيت مباشر لسعر صرف الدولار مقابل “نيو ليرة” سيكون مكلفاً جداً على الخزينة العامة، لأنه يتطلب ضخاً كبيراً ومتواصلاً من الدولار والنيو ليرة في السوق، وهو ما لا يمكن تحمّله في ظل واقع العجز والإيرادات المحدودة، والبديل من وجهة نظره هو الإصلاح من القاعدة الاقتصادية لا من قمة السياسة النقدية: زيادة الإنتاج، دعم التصدير، تقليص الاستيراد، مما يجعل التحكم بالسوق أمراً طبيعياً لا مفروضاً، ويجعل التقلبات السعرية أضعف من أن تؤثر على توازن السوق.
سندات خزينة كأوراق نقدية
من الأفكار الأخرى التي يقترحها خزام أيضاً إصدار سندات خزينة قابلة للتداول كأوراق نقدية بلاستيكية بفئات مرتفعة (500,000 نيو ليرة مثلاً)، ما يخفف من تكاليف الطباعة التقليدية للأوراق النقدية، ويساعد في تمويل الدولة داخلياً دون اللجوء لطباعة نقود تضخمية.
خطر الانزلاق
ما يطرحه الخبير الاقتصادي جورج خزام يعكس تفكيراً عملياً في الإصلاح النقدي السوري بعيداً عن الوصفات الجاهزة، ويعيد النقاش إلى عمقه الفني لا السياسي، غير أن نجاح هذا السيناريو يتطلب وجود مصرف مركزي مستقل، سياسة نقدية دقيقة، وجهاز رقابي قادر على ضبط السوق، وهي شروط لا يمكن فصلها عن البيئة الاقتصادية والمؤسساتية الكاملة.
بالتالي إعادة هيكلة العملة لن تنجح ما لم تترافق مع إعادة هيكلة الاقتصاد نفسه، بدءاً من الإنتاج والتعليم، ووصولاً إلى الشفافية والثقة العامة، وهو الطريق الأطول، لكنه الوحيد القادر على أن يمنح “النيو ليرة” اسماً يستحقه لا مجرد أصفار محذوفة.