محمد الصطوف – تفاصيل برس
شكل الإعلان الدستوري، أساساً للعدالة الانتقالية، في نص المادة 49 منه، والتي تنص على تشكيل هيئة انتقالية تتولى قيادة المشاورات ثم تحدد آليات المساءلة وحق المجتمع في معرفة الحقيقة، هذا النص وإن كان يؤسس لمرحلة معقولة من نهج العدالة الانتقالية إلا أن صياغة المادة ذاتها، وفق رأيي الشخصي ليست الأكثر ملائمة للحالة السورية.
صياغة المادة 49 رسمت مساراً إجرائياً غير متوازن لموضوع العدالة الانتقالية من الناحية القانونية الإجرائية، إذ وضعت تشكيل الهيئة في المقام الأول قبل إجراء المشاورات، بينما كان من الأفضل والأنسب أن تبدأ العملية بمشاورات وطنية تديرها لجنة مختارة بعناية.
هذه المشاورات يمكن أن تُنتج مدخلات واضحة لمشروع قانون يحدد تكوين الهيئة وصلاحياتها ووسائل عملها، تليها المصادقة على هذا القانون ومن ثم تشكيل الهيئة وفقًا له. هذا الترتيب يضمن قدراً أكبر من الشفافية والمشاركة الشعبية والمجتمعية، ويعزز مبادئ العدالة.
أرى أن العدالة الانتقالية في سوريا تتطلب حوكمة شاملة، تشمل وضع إطار واضح لها أولاً، والأدوار والهيكل التنظيمي والموارد المتاحة ثانياً، بالإضافة إلى اعتماد منهجية عمل قانونية لمنع التشتت وإضاعة الجهود، والتقليل من التناقضات المؤسسية التي ظهرت على أرض الواقع.
بعد أن أظهرت التجارب الحالية وجود ثلاث هيئات عملياً (السلم الأهلي، العدالة الانتقالية، ملف المفقودين)، إذ برهنت المبادرات المؤسسية المستقلة، رغم حسن النوايا، على احتمال زيادة التعقيدات وظهور تناقضات قد تعرقل إنجاح مسار العدالة الانتقالية.
لا شك أن سوريا بحاجة إلى مزيج متوازن من أدوات المساءلة والمصالحة لتلبية حاجات معالجة الماضي والانتهاكات، والتحديات الراهنة والمستقبلية، مع التأكيد على أن العدالة الانتقالية ليست محصورة فقط في المحاكمات والعقوبات.
غير أن بناء رؤية شاملة تستند إلى مشاورات واسعة النطاق وشفافية عالية كان ينبغي أن يكون الخطوة الأساسية، يليه النهج القانوني الواضح يليه نهج المحاسبة، لا أن تبدأ السلسة عكسياً.
غياب هذا النهج، إلى جانب تعدد الهيئات والهياكل القائمة، أدى إلى ظهور مشكلات تعتبر في مراحلها الأولى فقط حتى الآن.
ومن بين أهم القضايا اليوم، تحديد حدود المساءلة، وضوابط وشروط العفو الخاص، وكذلك تسوية ملفات الجرائم المرتبطة بمنظومة الفساد المالي والانتهاكات الكبرى. هذا الأمر سيجعل العدالة الانتقالية أكثر تكاملاً وقبولًا بين مختلف شرائح المجتمع السوري.