دانا برجاس – تفاصيل برس
في إطار المساعي المتواصلة لإعادة تأهيل قطاع النقل في سوريا وتعزيز دوره المحوري في دعم الاقتصاد الوطني، شهدت مدينة حلب لقاءً لافتاً جمع القنصل التركي في حلب، هاكان جينكيز، بالمدير العام للمؤسسة العامة للخطوط الحديدية، المهندس أسامة حداد.
اللقاء الذي عُقد خلال الأسبوع الماضي جاء في سياق دفع العلاقات بين سوريا وتركيا باتجاه أكثر عملية، مركّزاً بشكل خاص على قطاع السكك الحديدية، الذي يُعد أحد أبرز القطاعات تضرراً خلال سنوات الحرب.
ووفقاً لمصادر مطّلعة على اللقاء، فقد تركزت المباحثات حول آليات التعاون الفني والتقني وتبادل الخبرات، إلى جانب مناقشة إمكانية توقيع اتفاقيات تعاون رسمية خلال المرحلة المقبلة.
وأبدت أنقرة استعدادها لتقديم برامج تدريب متخصصة لكوادر المؤسسة السورية للخطوط الحديدية، إضافة إلى تنظيم زيارات فنية لمواقع تصنيع وتطوير السكك في تركيا، ما يعكس رغبة مشتركة في تجاوز العوائق السياسية لصالح الشراكة الفنية والتنموية.
السكك الحديدية بالأرقام
يأتي هذا التحرك في ظل واقع قاسٍ يواجهه قطاع السكك الحديدية في سوريا. فبعد أن كانت البلاد تمتلك شبكة خطوط تمتدّ لأكثر من 2550 كيلومتراً، وتربط بين مراكز المحافظات الحيوية، تسبّبت الحرب الممتدة منذ عام 2011 في تدمير ما يقرب من 80% من البنية التحتية لهذا القطاع، وفق تقديرات رسمية.
وتشير تقارير المؤسسة العامة للخطوط الحديدية إلى أن نحو 1500 كيلومتر من الخطوط أصبحت خارج الخدمة، بينما تُقدّر الخسائر المالية المباشرة بأكثر من مليار دولار، عدا عن الخسائر غير المباشرة المرتبطة بتوقف حركة الشحن وفقدان آلاف فرص العمل.
وفي السنوات الأخيرة، سعت وزارة النقل السورية إلى إعادة تشغيل عدد من الخطوط الاستراتيجية، خاصة تلك المرتبطة بنقل المواد الأساسية كالقمح والوقود من المرافئ الساحلية إلى الداخل السوري. وبالفعل، تم تشغيل خط حلب – جبلة، وخطوط فرعية تربط طرطوس بحمص، كما أُعيد تأهيل عدد محدود من القاطرات والعربات ضمن الإمكانيات المتاحة، لكن معظم المشاريع ظلت تعاني من نقص التمويل، وصعوبات في تأمين قطع الغيار والمعدات بسبب العقوبات الغربية.
الخبرة التركية
المبادرة التركية الأخيرة تُعد خطوة مفصلية ضمن محاولات فك الحصار التقني واللوجستي المفروض على قطاع النقل السوري. فإلى جانب التدريب والدعم الفني، تدرس شركات تركية إمكانية الاستثمار في إنشاء مناطق لوجستية على مقربة من الحدود السورية، بهدف ربط شبكة السكك السورية مستقبلاً بموانئ مرسين وإسكندرون، ضمن مشروع أوسع لإحياء طريق الشام التجاري التاريخي، الذي يربط تركيا بدمشق ثم بغداد والخليج، والذي كان يعرف بسكة حديد الحجاز.
وفي موازاة ذلك، تواصل الحكومة السورية مباحثاتها مع شركاء إقليميين، من بينهم العراق، لإحياء مشروع الربط السككي الذي سيسمح بتسهيل حركة البضائع بين مرافئ المتوسط والداخل العراقي، وهو مشروع استراتيجي سبق وتم طرحه في عام 2010، قبل أن يتم تجميده بفعل التطورات الأمنية والسياسية التي عصفت بالمنطقة خلال العقد الماضي.
سكك حديدية إلى المستقبل
هكذا يبدو لقاء حلب بين الجانبين السوري والتركي أكثر من مجرد خطوة بروتوكولية، بل يُقرأ كمؤشر على تحوّل تدريجي في طريقة التعاطي مع ملف إعادة تأهيل البنية التحتية في سوريا، لا سيما في القطاعات التي تملك بُعداً استراتيجياً يتجاوز الإطار المحلي. فإعادة ربط سوريا بشبكة نقل إقليمية تبدأ من خطوط السكك وتمتد إلى مرافئ ومراكز شحن لوجستية، قد تمثل مفتاحاً فعلياً لتحريك عجلة الاقتصاد المتوقفة منذ أكثر من عقد.
وبين الواقع المثقل بالتحديات، والتطلعات المدفوعة بالحاجة الملحة للتعافي، يبدو أن السكك الحديدية قد تعود لتكون واحدة من أبرز رموز استعادة الدور الاقتصادي لسوريا في المنطقة، إن كُتب لمشاريع التعاون هذه أن ترى النور.