إبراهيم مخلص الجهني – تفاصيل برس
في خطوة مفاجئة لكنها ليست معزولة عن سلسلة إجراءات إصلاحية أطلقها مصرف سورية المركزي، تقرر سحب تراخيص أكبر شركتي صرافة في البلاد وهي الفاضل للصرافة، والمتحدة للصرافة وتحويل الأموال.
القرار الصادر عن المصرف المركزي يضع حداً لدور شركات لعبت طويلاً دور الوسيط الرئيسي في تمويل المستوردات وتحويل الأموال، ويكشف عن تغييرات أعمق في بنية النظام المالي السوري، لاسيما في ظل ما وصفه مراقبون بأنه “تفكيك لمنظومة الفساد المالي” المرتبطة بنظام الأسد.
تصفية المنصة
وحول هذا الموضوع تواصلت “تفاصيل برس” مع الخبير الاقتصادي وعضو جمعية المحللين الماليين وضاح حنانا، الذي أكد على أن قرار سحب التراخيص جاء ضمن تسلسل منطقي بدأ بتصفية منصة تمويل المستوردات، التي كانت الأداة المركزية لتمويل التجارة الخارجية بالقطع الأجنبي.
وبيّن أنه بعد توقف المنصة خلال الأشهر الماضية أدى ذلك إلى تراكم التزامات مالية ضخمة لدى شركات الصرافة، خاصة المتحدة والفاضل، اللتين كانتا بمثابة “الواجهة التنفيذية” لعمليات التمويل.
وأضاف حنانا أنه عنما قررت الحكومة إنهاء عمل المنصة، جرى إعادة الأموال المدفوعة من قبل التجار، والتي بلغت مليارات الليرات، بعد أن كانت مجمدة لدى تلك الشركات، يقول حنانا: وما دامت الشركات كانت مسؤولة عن استقبال هذه الأموال وتنفيذ الحوالات، فقد كان من المنطقي أن تطالها إجراءات التصفية أيضاً.
تلاعب وتحويل غير المشروع
رغم أن القرار الرسمي لم يتضمن اتهامات مباشرة، إلا أن مصادر مصرفية تشير إلى أن سحب التراخيص جاء في سياق تحقيقات داخلية تكشف عن شبهات تهريب أموال والتلاعب بسعر الصرف، إضافة إلى ارتباط بعض مسؤولي هذه الشركات بأركان نظام الأسد.
وأشار حنانا إلى أن شركات الصرافة لعبت دوراً محورياً في تحويل الأموال إلى الخارج، سواء بشكل مباشر عبر شركات في روسيا وإيران، أو عبر قنوات غير رسمية تمر من دول الخليج، مثل الإمارات، وقد أثيرت علامات استفهام حول الغاية من حصر عمل المنصة من خلال هذه الشركات تحديداً.
بين حقوق التجار وحقوق الدولة
في خضم هذه التحولات، يبقى الملف الأكثر تعقيداً هو مصير الأموال المسترجعة، سواء تلك العائدة للتجار أو ما يعتقد أنه حقوق للمصرف المركزي لدى الشركات الموقوفة، ووفق الخبير المالي فإن الأموال أعيدت “حكماً” إلى النظام المصرفي، لكنها غير متاحة بشكل كامل للتجار، ما يستدعي لاحقاً وضع آلية للتعويض، وأن القرار يأتي في إطار محاولة لضبط الكتلة النقدية المتداولة في السوق، ومنع استخدامها في المضاربة أو التحويل غير المشروع.
وأشار إلى أن المصرف المركزي بدأ فعلياً في إعادة هيكلة آلية تمويل التجارة، بعيداً عن المنصة القديمة، وبما يعزز الشفافية ويدمج الاقتصاد الموازي ضمن القنوات الرسمية.
وأكد أن كل قرار يتضمن مادتين أساسيتين، هما المادة 2 والمادة 5، واللتين تنصان على تجميد الوديعة التي وضعتها الشركات في المصرف المركزي، وحصر الالتزامات والحقوق العائدة للمركزي، والتي قد تظهر في حسابات هذه الشركات، وغالباً ما تكون هذه الالتزامات بالقطع الأجنبي، وهذا يفتح الباب أمام احتمال وجود حقوق غير مصرح بها أو شبهات مالية، بل وقد يكشف وجود قطع أجنبي خارج الدورة المصرفية الرسمية.
قرارات المركزي
في السياق ذاته، أعلن مصرف سوريا المركزي أنه قرر بموجب القرار رقم 621/م.ن/ب4 بتاريخ 10 كانون الثاني 2010، إلغاء التراخيص الممنوحة لشركات “الفاضل” و”المتحدة” وإنهاء العمل بأحكامها مع كافة الآثار القانونية المترتبة على ذلك، بما في ذلك شطبها من سجل شركات الصرافة لدى مفوضية الحكومة لدى المصارف.
وأكد المركزي أنه سيتريث بتحرير مبلغ الاحتياط النقدي المجمّد باسم الشركات حتى تسوية جميع المبالغ المستحقة وتصفيتها وفق القوانين والأنظمة النافذة، وكلف مديرية الشؤون القانونية باتخاذ الإجراءات الكفيلة بحماية حقوقه في حال وجود أي مطالبات تجاه تلك الشركات، ولم يوضح المركزي الأسباب التفصيلية لقراراته، إلا أنه أشار إلى أنها استندت إلى “لائحة الجزاءات والإجراءات العلاجية التصحيحية” الصادرة بقرار من رئاسة مجلس الوزراء في 26 نيسان 2010، إلى جانب قوانين ناظمة للعمل المالي والمصرفي.
تجدر الإشارة إلى أن شركة “الفاضل” فرضت عليها وزارة الخزانة الأميركية عقوبات في أيار 2023، ويعود تاريخ تأسيس شركتي “الفاضل” إلى 2015، و”المتحدة” إلى 2009، مما يوضح التباين في الخلفية الزمنية للشركات، لكنه لا ينفي اشتراكها جميعاً في ذات المسار التنظيمي والرقابي الحالي.