إبراهيم مخلص الجهني – تفاصيل برس
في وقت تستعد فيه الأسواق العالمية لدخول موسم الذروة في الطلب على الوقود، يتجه النفط نحو صيف يُوصف بأنه حاسم لمسار الأسعار، وسط مفارقة لافتة.
ارتفاع الطلب في الأمد القصير يقابله تهديد واضح بحدوث فائض في المعروض خلال النصف الثاني من العام، مدفوعاً بقرارات “أوبك +” بزيادة الإنتاج تدريجياً، فالتحالف، الذي تقوده السعودية وروسيا، قرر مؤخراً إعادة كميات من التخفيضات الطوعية إلى السوق، في خطوة فسرها مراقبون بأنها تستهدف استعادة الحصة السوقية التي فقدتها بعض الدول المنتجة خلال سنوات خفض الإمدادات.
طلب قوي يقود السوق
وبحسب بيانات حديثة من شركة “بي بي” العملاقة، كان الربع الثاني من عام 2025 الأفضل منذ أكثر من عام في مجال تكرير الوقود، حيث سارعت المصافي، من الولايات المتحدة إلى أوروبا، لشراء شحنات من الخام وتحويلها إلى منتجات مثل البنزين ووقود الطائرات، تلبية للطلب الموسمي المتزايد.
ويقول فريدريك لاسير، رئيس أبحاث السوق في مجموعة “غنفور” لتجارة النفط: “ليست فكرة جيدة المراهنة على انخفاض الأسعار عند دخول موسم ذروة الطلب، لكن في الربع الرابع من هذا العام، ومع حلول 2026، تبدو التوقعات مائلة لانخفاض واضح في الأسعار”.
أسعار مستقرة مؤقتاً.. لكن القلق قائم
رغم الضغوط، لا تظهر الأسواق حتى الآن علامات كبيرة على الانهيار. فقد استقر سعر خام برنت قرب 67.40 دولاراً للبرميل، ضمن نطاق تداول بين 60 و67.50 دولاراً، فيما بلغ متوسط السعر في الأشهر الماضية نحو 75 دولاراً، ولكن هذه الأرقام قد لا تصمد طويلاً، إذ يتوقع محللون في “وول ستريت” أن يشهد السوق العالمي فائضاً في المعروض بنهاية العام، خاصةً مع ارتفاع إنتاج دول خارج “أوبك+” مثل كندا، الصين، والأرجنتين، إلى مستويات شبه قياسية.
وفي الولايات المتحدة، ورغم تراجع عدد الحفارات إلى أدنى مستوى في أربع سنوات، إلا أن الإنتاج الكلي للنفط وسوائل الغاز الطبيعي بلغ مستويات قياسية في مارس الماضي، ما يشير إلى طاقة إنتاجية كبيرة قد تُعيد خلط أوراق السوق.
المخزونات ترتفع
لأول مرة منذ سنوات، تظهر إشارات على تراكم المخزونات، مدفوعة بشكل رئيسي من الصين، التي عززت سعات التخزين لديها في مقاطعة شاندونغ. في المقابل، تبقى مخزونات المنتجات المكررة مثل البنزين والديزل عند مستويات منخفضة، ما يدفع المصافي إلى الاستمرار في شراء الخام رغم التقلبات المحتملة.
ويقول غاري روس مدير صندوق التحوط في “بلاك غولد إنفستورز”: “المخزونات منخفضة، وهوامش الربح جيدة، وهذا يدفع المصافي لاستهلاك المزيد من الخام، قد نشهد تشبعاً لاحقاً هذا العام، لكن الرهانات على انخفاض الأسعار مبكرة للغاية”.
ترامب والورقة الجيوسياسية
في الخلفية، تبقى المخاوف الجيوسياسية حاضرة بقوة، فالرئيس الأميركي السابق والمرشح الحالي دونالد ترامب، والذي يشتهر بتقلب مواقفه، قادر على إحداث تغييرات مفاجئة في السوق عبر تغريدة واحدة، كما حدث في أبريل 2020 عندما ارتفعت الأسعار 40% في ثوان بعد إعلانه عن صفقة نفطية، وأي اتفاق مستقبلي مع إيران أو روسيا أو الصين قد يفجر مفاجآت كبيرة ويعيد تشكيل المعادلة السوقية خلال لحظات.
“أوبك+” ومرحلة ما بعد الصيف
من جهتها، تراهن دول “أوبك+” على أن زيادة الطلب الصيفي ستتيح لها ضخ المزيد من البراميل دون الإضرار بالسوق، رغم أن صادرات حزيران/يونيو وتموز/يوليو قد تبقى محدودة نتيجة زيادة الاستهلاك المحلي لأغراض التبريد في الخليج، لكن السؤال الكبير، وفق ما يطرحه سعد رحيم، كبير الاقتصاديين في “ترافيغورا”، هو ما إذا كانت “أوبك+” ستواصل هذا المسار بعد الصيف، حين تبدأ إشارات الفائض في الظهور بشكل واضح.