بلال الخلف _ قراءة معمقة في ورقة المجلس الأطلسي حول غياب برامج DDR في سوريا وتداعياته
في ظل حالة السيولة التي تعيشها الساحة السورية، حيث تتقاطع الأزمات الأمنية والسياسية مع التحديات الاقتصادية والاجتماعية، يبرز سؤال محوري: لماذا لم يتم حتى الآن تفعيل برامج نزع السلاح والتسريح وإعادة الإدماج (DDR)، رغم التحولات الجذرية التي شهدها المشهد العسكري السوري وانحسار المواجهات المباشرة في العديد من المناطق؟
وفق دراسة صدرت حديثًا عن المجلس الأطلسي للأبحاث والدراسات في واشنطن، فإن غياب هذه البرامج الحيوية لا يُعد فقط تقصيرًا تقنيًا أو ماليًا، بل يمثل ثغرة استراتيجية تُقوّض فرص الاستقرار وتُبقي المجتمع السوري في حالة ترقب دائمة للانفجار.
غياب DDR: الفجوة التي تهدد مستقبل سوريا
ترى الورقة أن الساحة السورية باتت تحتضن شبكة معقدة من التحديات المتشابكة، وأن غياب حلول مؤسساتية مستدامة للمقاتلين السابقين، خاصة من الطائفة العلوية التي شكّلت سابقًا العمود الفقري للمؤسسة العسكرية، يُمهّد الأرضية لظهور ميليشيات خارجة عن السيطرة، كما حصل في مارس 2025، حين شكّل ضباط علويون مفصولون جماعات مسلّحة ساهمت في إشعال موجة من العنف المستمر في بعض مناطق الساحل السوري.
المفارقة التي تثيرها الدراسة تكمن في أن هؤلاء المسرّحين – ممن قاتلوا لعقود في صفوف النظام – لم يُعرض عليهم أي مسار بديل، ولا إطار وطني يحتويهم، ما خلق فراغًا أمنيًا واقتصاديًا يُستغل من قبل قوى إقليمية مثل إيران، وأجّج الشعور بالتهميش داخل الطائفة نفسها، بعد أن باتت ضحية سرديات النظام الذي يدّعي حمايتها.
DDR كضرورة أمنية واجتماعية لا غنى عنها
برامج DDR، كما توضح الدراسة، ليست ترفًا سياسيًا، بل أداة مركزية في تفكيك بنى العنف وتحويل المقاتلين السابقين إلى فاعلين مدنيين. وتؤكد الأمثلة من كولومبيا وليبيريا وجنوب السودان أن نجاح هذه البرامج رهن بتوافر إرادة سياسية، وبيئة اجتماعية واقتصادية مساندة، وأطر تنفيذية شفافة ومدعومة دوليًا.
في السياق السوري، تُعد إعادة دمج المسرّحين ضمن مشروع وطني جامع أحد المفاتيح الضرورية لتثبيت أركان المصالحة المجتمعية، وتقديم رسائل طمأنة لجميع المكونات، خصوصًا أولئك الذين يخشون أن يكونوا هدفًا للعدالة الانتقالية أو لتصفية حسابات طائفية.
الطريق إلى الاستقرار: صندوق دعم تشاركي وتدخل دولي مسؤول
يشير التقرير إلى أن أحد العقبات أمام إطلاق برامج DDR في سوريا هو ضعف الهياكل المؤسسية، وانعدام التنسيق بين الجهات الفاعلة، وغياب التمويل الكافي. ويقترح المجلس الأطلسي تأسيس “صندوق دعم تشاركي” على غرار النماذج المطبقة في العراق والسودان، يعمل تحت إشراف الحكومة الانتقالية وبالشراكة مع أطراف دولية محايدة، بما يضمن إدارة شفافة للموارد وتوجيهها نحو المقاتلين السابقين والمجتمعات المضيفة لهم.
كما يمكن تخصيص جزء من هذا الصندوق لدعم مقاتلي المعارضة السابقين، ودمجهم في مسارات تنموية مدنية، وهو ما من شأنه أن يعزز العدالة المتوازنة ويعيد الثقة بين الأطراف المختلفة.
معركة السلاح الصامت: التحدي الحقيقي لما بعد الحرب
الواقع أن سوريا، وفق التقرير، لن تطوي صفحة الصراع بمجرد إسكات البنادق، بل من خلال تحقيق العدالة وإعادة إنتاج الدولة على أسس تمثيلية وإنسانية. ومن دون برامج DDR جادة، سيبقى خطر عودة العنف ماثلًا، سواء عبر جماعات طائفية مستعدة للتمرد، أو من خلال مقاتلين سابقين يشعرون بالإقصاء والخذلان.
وبرغم أن برامج DDR لا تمثّل حلًا سحريًا، إلا أنها بوابة لا غنى عنها لأي تصور واقعي لمستقبل سلمي في سوريا. ويختم المجلس الأطلسي دراسته بالتشديد على أن الفرصة السياسية المتاحة اليوم، والمدعومة بإجماع دولي نسبي، قد لا تتكرر، وأن الفشل في تفعيل هذه المسارات قد يُمثّل نكسة كارثية تُعيد البلاد إلى مربع الفوضى.