الكاتب: آدم وينشتاين – نائب مدير برنامج الشرق الأوسط في معهد كوينسي (ترجمة و تحرير بلال الخلف لتفاصيل برس)
في مقال نشرته مجلة فورين بوليسي، يتناول الباحث آدم وينشتاين الفجوة اللافتة في تعامل الغرب مع حالتين متشابهتين من حيث المسار: طالبان في أفغانستان، والقيادة الجديدة في سوريا المتمثلة بأحمد الشرع، قائد هيئة تحرير الشام الذي استلم الحكم في دمشق بعد تحولات دراماتيكية شهدتها البلاد.
ورغم التشابه في الظروف والتوقيت، إلا أن الغرب اختار أن يحتضن النموذج السوري، ويتجاهل -بل ويعزل- النموذج الأفغاني. لماذا؟
معيار الاعتراف.. بين الواقع والانطباع
ينطلق الكاتب من فرضية واضحة: الاعتراف الدولي لا يستند دائمًا إلى معايير قانونية أو حتى إلى السيطرة الفعلية على الأرض، بل إلى الانطباعات والتاريخ والرمزية، ومدى أهمية الجهة المعنية للمصالح الغربية.
فمن وجهة نظر الغرب، تظل طالبان مرادفة لهجمات 11 سبتمبر، وهو إرث نفسي وسياسي ثقيل، في حين أن هيئة تحرير الشام –رغم ماضيها الجهادي– لا ترتبط بتلك الصدمة العالمية بنفس الدرجة.
الشرع: صورة جديدة وشخصية قابلة للتسويق
وبحسب وينشتاين، فإن الصورة والانطباع يصنعان الفارق الأكبر. فالشرع، الذي تمكن من الانتقال من قائد فصيل محلي في إدلب إلى رأس هرم السلطة في دمشق، استطاع أن يقدّم نفسه بصورة مختلفة كقائد عملي، براغماتي، وقادر على إدارة الحكم.
على النقيض، لا يزال زعيم طالبان مختبئًا في قندهار، وتحيط به قيادة ما زالت تمثل النسخة القديمة لطالبان كما عرفها العالم قبل عقدين.
خيارات استراتيجية مختلفة
لكن المسألة ليست شكلية فقط، بل تتعلق بخيارات حقيقية. فبينما يتمسك قادة طالبان بنهج انعزالي واستبدادي، يحاول الشرع رسم سياسة أكثر مرونة، والانفتاح على المبادرات الغربية، وهو ما يبدو –حتى الآن– كاستثمار سياسي ناجح.
الشتات السوري مقابل الشتات الأفغاني
يُبرز المقال أيضًا دور الجاليات في الخارج. ففي حين أن الشتات الأفغاني –خصوصًا في الولايات المتحدة– لعب دورًا ضاغطًا لعزل طالبان، فإن جماعات سورية في أمريكا وأوروبا تبنت استراتيجية مغايرة، إذ دعمت علنًا الانخراط مع القيادة الجديدة في سوريا، ضمن تصور يتجاوز نظام الأسد المرفوض دوليًا.
هذا الغياب النسبي لصوت العلويين المعارضين في الخارج ساعد في تلطيف صورة البديل دون صدام طائفي واضح.
الجغرافيا تصنع الفرق
لكن السبب الأهم بحسب وينشتاين، هو الأهمية الجيوسياسية. فأفغانستان، بنظر الغرب، لم تعد ذات وزن استراتيجي كبير، في حين أن سوريا لا تزال قلب الصراع في الشرق الأوسط، ومفترقًا حساسًا بين النفوذ الإيراني والتركي والإسرائيلي والروسي.
وبالتالي، فإن إعادة بناء السلطة في دمشق هو استثمار ضروري للاستقرار الإقليمي، بينما لا يبدو أن كابول تقدم المكافأة نفسها.
شرعية غير مكتملة
رغم أن طالبان والقيادة الجديدة في سوريا وصلتا إلى السلطة عبر ملء الفراغ الذي خلفته حكومات فاشلة، إلا أن غياب الاعتراف الدولي لا يزال عائقًا أمام الشرعية الكاملة.
وبحسب الكاتب، فإن أحمد الشرع أبدى استعدادًا لاتباع الواقعية السياسية، وهو ما يجب أن يُنظر إليه كفرصة، لا كتنازل.
خلاصة: دروس لأفغانستان وأمريكا
ينهي وينشتاين مقاله برسالة مزدوجة: لطالبان، بأن هناك درسًا في مسار أحمد الشرع، وفي قدرته على التحول والانفتاح. ولواشنطن، بأن التجربة السورية قد تكون حافزًا لمراجعة سياساتها تجاه خصومها السابقين، لا بدافع الرغبة، بل من منطلق الضرورة الجيوسياسية والعقلانية السياسية.
تفتح هذه المقارنة بابًا واسعًا للنقاش حول معايير السياسة الغربية في الشرق الأوسط، ومدى قدرة الأنظمة الخارجة من رحم النزاعات على تقديم نفسها بوجه جديد.
لكن المؤكد أن الصورة وحدها لا تكفي، ما لم تتبعها خيارات حقيقية ومسارات واقعية تؤسس لشرعية دائمة لا تقوم فقط على الرضا الغربي، بل على القبول الشعبي والسيادة الوطنية.