بلال الخلف – تفاصيل برس
في تطور نوعي غير مسبوق في تاريخ المواجهات بين إيران وإسرائيل، شكّلت الأيام الماضية مسرحًا لاختبار مفاهيم جديدة للحرب، أبرزها تفوق الذكاء الاصطناعي والتنظيم التكنولوجي على منطق الردع التقليدي والردود الارتجالية.
ما جرى لا يُعد مجرد تصعيد، بل محطة فارقة ترسم ملامح مرحلة جديدة في الشرق الأوسط، يتم فيها تجريد القوى من قدراتها بهدوء محسوب، دون الحاجة إلى اجتياح أو احتلال.
عسكريًا: “الأسد الصاعد” يفتك بأهداف استراتيجية
أطلقت إسرائيل عمليتها العسكرية تحت مسمى “Operation Rising Lion”، في هجوم جوي مركّز استهدف أكثر من 100 موقع حيوي داخل إيران. من بين الأهداف: منشآت نووية في نطنز، أصفهان، وفوردو، مراكز قيادة وتحكم، مواقع للحرس الثوري، ومستودعات صواريخ باليستية. وقد نُفذت الضربات باستخدام مقاتلات F‑35، لتصل إلى عمق غير مسبوق داخل الأراضي الإيرانية، وسط فشل تام في صدّ الهجمات جوياً.
بعض المناطق لم تُفعّل فيها حتى صافرات الإنذار، ما يعكس عجز الأنظمة الدفاعية عن رصد الهجوم في الوقت المناسب.
الرد الإيراني: كثافة بلا جدوى
في المقابل، أطلقت إيران خلال يومين أكثر من 350 صاروخًا، بينها 150 إلى 200 صاروخ باليستي، بالإضافة إلى عدد مماثل من الطائرات المسيّرة. إلا أن الرد الإيراني اتّسم بالعشوائية، مع غياب التنسيق المركزي، ما أدى إلى اعتراض أكثر من 90% منها بنجاح.
المنظومات الدفاعية الإسرائيلية — القبة الحديدية، مقلاع داوود، وسهم-3 — عملت بتناغم غير مسبوق، معتمدة على خوارزميات ذكية لا تعترض كل الصواريخ، بل تقيّم التهديد في أجزاء من الثانية، وتستهدف فقط ما يُشكل خطرًا حقيقيًا، بينما تُترك الصواريخ الأخرى لتسقط في مناطق مفتوحة، ما قلل من التكلفة ورفع الكفاءة.
الخسائر: كلفة باهظة لطهران مقابل نتائج رمزية
اقتصاديًا، تشير التقديرات إلى أن إيران تكبّدت خسائر تفوق 150 إلى 200 مليار دولار نتيجة استهداف منشآت حيوية، أبرزها المفاعلات النووية ومرافق الغاز والنفط مثل حقل “بارس الجنوبي”، في حين تتكبد يوميًا ما يقارب 250 مليون دولار جرّاء توقف الإنتاج الكهربائي.
أما كلفة الرد الصاروخي الإيراني فتتراوح بين 540 مليون و2.2 مليار دولار، بحسب تقديرات مركز الدراسات الأمريكي JINSA، بينما لم تتجاوز كلفة الدفاع الإسرائيلي 630 مليون دولار، مدعومة بمنحة أمريكية عاجلة تجاوزت مليار دولار.
بشريًا، بلغت حصيلة القتلى الإيرانيين بين 224 و406 شخصًا، معظمهم من المدنيين العاملين في المنشآت المستهدفة، بالإضافة إلى اغتيال عدد من القيادات العسكرية والعلماء النوويين. على الجانب الإسرائيلي، بلغ عدد القتلى 19 شخصًا، معظمهم جراء سقوط صواريخ في مناطق مأهولة.
تفوق تكنولوجي استخباراتي حاسم
لم تكتفِ إسرائيل باستخدام القوة العسكرية، بل أدارت المعركة بمعطيات استخباراتية دقيقة وبتكنولوجيا متقدمة، مكّنتها من شل قدرات القيادة والسيطرة الإيرانية. في المقابل، عانت إيران من انكشاف واسع لأنظمتها، واعتمدت على اتصالات جزئية غير محمية، ما سهّل اختراقها وتشويشها.
مرحلة ما بعد الرد: إسرائيل تبدأ حرب الاستنزاف
المثير في المشهد أن الهجوم الإسرائيلي لم يكن ضربة وحيدة، بل جزء من استراتيجية طويلة الأمد تهدف إلى تفكيك البنية العسكرية والصاروخية الإيرانية تدريجيًا. إسرائيل أعلنت بوضوح أن العمليات دخلت مرحلة الاستنزاف الذكي، الذي سيُبقي الضغط على طهران دون الحاجة إلى تصعيد واسع، بينما إيران — التي استخدمت معظم صواريخها الجاهزة في الرد الأول — لن تستطيع مواصلة نفس الوتيرة.
سياسيًا: عزلة متزايدة لإيران
هذا التصعيد أوقف تمامًا مسار المفاوضات النووية، وعمّق عزلة طهران الدولية. الدول الكبرى باتت تنظر إلى إيران كطرف غير منضبط، في مقابل تعزيز صورة إسرائيل كقوة قادرة على العمل المنفرد في العمق الإقليمي، دون تدخل مباشر من الولايات المتحدة.
خلاصة: حرب بين زمنين
ما شهدناه ليس مجرد تبادل نار، بل اختبار فارق بين حرب يُديرها عقل خوارزمي بارد، وآخر تتحكم به العاطفة الإيديولوجية. تفوقت إسرائيل في الجو، في الأرض، وفي ميدان التكنولوجيا والمعلومات. أما إيران، فقد دفعت ثمنًا باهظًا لتُثبت حضورًا مؤقتًا، سرعان ما سيتلاشى تحت وقع الاستنزاف المنهجي البارد.
إنها لحظة فاصلة تُظهر أن القرن الحادي والعشرين ليس لمن يملك الصواريخ الأكثر، بل لمن يملك الخوارزميات الأدق.