إبراهيم مخلص الجهني – تفاصيل برس
كشفت وحدة المعلومات الاقتصادية التابعة لمجلة “الإيكونيميست” في تقريرها السنوي لعام 2025 عن مؤشر جودة العيش في مدن العالم، وتصدرت العاصمة الدنماركية كوبنهاغن التصنيف العالمي.
بينما حافظت العاصمة السورية دمشق على موقعها في القائمة كأقل مدينة ملاءمة للعيش على مستوى العالم، رغم التحولات السياسية التي شهدتها البلاد نهاية العام الماضي.
وشمل التصنيف هذا العام 173 مدينة، استناداً إلى خمسة مؤشرات رئيسة:
• الاستقرار
• الرعاية الصحية
• الثقافة والبيئة
• التعليم
• البنية التحتية
وقد حصلت كوبنهاغن على مجموع نقاط بلغ 98 من أصل 100، نتيجة أدائها المتفوق في مجالات التعليم، البنية التحتية، والاستقرار، بينما جاء تراجع فيينا التي حافظت على الصدارة ثلاث سنوات متتالية نتيجة تراجع في مؤشر الاستقرار، خاصة بعد إلغاء عدد من الفعاليات العامة على خلفية تهديدات أمنية.
التراجع المزمن
حلت العاصمة السورية دمشق، مجدداً المرتبة الأخيرة عالمياً، في استمرار لتراجعها المزمن على مؤشرات جودة العيش، ورغم سقوط نظام الأسد في كانون الأول 2024، لم يظهر أي تحسن يذكر في المؤشرات العامة للمدينة، ما يشير إلى أن التغيير السياسي وحده لا يكفي لتحسين الواقع المعيشي.
وفي تصريح خاص لـ “تفاصيل برس” علق الدكتور عبد الرحمن محمد، نائب عميد كلية الاقتصاد للشؤون الإدارية وشؤون الطلاب في جامعة حماة، على التقرير قائلاً: إن التصنيف يستند إلى معايير دقيقة وموضوعية، تعتمد على بيانات موثوقة ومؤشرات متعددة تعكس جوانب مختلفة من الحياة في المدن، إلا أن هناك بعض الملاحظات تطال المنهجية، منها ضعف الاهتمام بالعوامل الثقافية والاجتماعية، التي قد تؤثر على دقة التصنيف في بعض الحالات.
وأضاف الدكتور محمد أن التصنيف يعكس بدرجة كبيرة الواقع الاقتصادي والاجتماعي للمدن، إلا أنه قد يغفل تأثير عوامل غير مرئية، كالفجوة بين النخب والمجتمع، أو التوترات الاجتماعية التي يصعب قياسها رقمياً.
تغيير النظام السياسي وحده لا يكفي
وحول أسباب استمرار دمشق في ذيل الترتيب، أوضح الدكتور أن المدينة لا تزال تعاني من آثار مدمرة خلفتها سنوات الحرب، بما في ذلك تراجع وضعف في الخدمات الأساسية، ودمار البنية التحتية، وارتفاع معدلات الفقر والبطالة، إضافة إلى غياب بيئة الاستثمار.
وشدد الخبير على أن تغيير النظام السياسي وحده لا يكفي لتحسين جودة الحياة، بل يجب أن يترافق مع إصلاحات اقتصادية شاملة وجذرية، وبناء مؤسسات فعالة، واستعادة ثقة المواطنين في الدولة.
مؤكداً أن التحسن في المدن التي شهدت صراعات مشابهة غالباً ما يستغرق سنوات طويلة، قد تصل إلى عقد أو أكثر، خصوصاً في ظل ضعف الموارد وصعوبة إعادة الإعمار.
ويبرز تقرير “الإيكونوميست” لعام 2025 أهمية الاستقرار المؤسسي والحوكمة الرشيدة في تحسين جودة العيش، إذ لا يكفي التغيير السياسي دون رؤية إصلاحية شاملة تتناول مختلف جوانب الاقتصاد والخدمات والبنية التحتية.
وفي وقت تتصدر فيه مدن مثل كوبنهاغن وملبورن المشهد العالمي بفضل سياسات استباقية واستثمار متواصل في الإنسان والبيئة، لا تزال مدن مثل دمشق في حاجة ماسة إلى جهد جماعي طويل الأمد يعيد بناء ما دمرته الصراعات، ويضع الأسس لبيئة معيشية كريمة تستعيد ثقة المواطن وتستقطب رؤوس الأموال.
المدن الأوروبية تتصدر
وكانت قد سجلت أربع مدن أوروبية مواقع في المراكز الخمسة الأولى: كوبنهاغن، فيينا، زيورخ، وجنيف، فيما كانت ملبورن الأسترالية المدينة غير الأوروبية الوحيدة التي اخترقت هذا التصنيف المرتفع، كما شهدت فانكوفر الكندية بقاءها كممثلة وحيدة لأميركا الشمالية في قائمة العشر الأوائل.
بينما واصلت مدن شرق آسيا مثل أوساكا وأوكلاند إحراز مراكز متقدمة، وفي المقابل، سجلت المدن البريطانية تراجعاً ملحوظاً، حيث خرجت لندن ومانشستر وإدنبرة من المراتب العليا نتيجة الاضطرابات السياسية وتصاعد القلق المدني.