دانا برجاس – تفاصيل برس
الضربات الإسرائيلية الأخيرة التي استهدفت منشآت نووية في إيران لم تكن مجرد تصعيد عسكري عابر، بل كانت بمثابة زلزال عنيف هز أركان مشروع نووي دام ثلاثة عقود، وأعاد تشكيل المشهد السياسي والاقتصادي في طهران.
بعد سنوات من الجهود والاستثمارات الضخمة، دُمرت هذه المنشآت خلال ساعات معدودة، فيما كانت إيران تكافح للحفاظ على اقتصادها المثقل بالعقوبات والتحديات الداخلية.
وفق الروايات الأميركية، فإن الهجوم تسبب في تدمير منشآت نووية كلف إنشاؤها حوالي 30 مليار دولار، وأسفر عن مقتل ما يقرب من 600 شخص، بينهم علماء وخبراء بارزون. حتى وزير الخارجية الإيراني اعترف – ولأول مرة – بشدة الخسائر، مما يشير إلى حجم الصدمة التي لا يمكن إنكارها.
لكن الضرر لم يقتصر على المنشآت فقط، بل شمل العقل المدبر للمشروع والرمز الذي شكّل هوية إيران السياسية والعلمية. فقد أصابت هذه الضربات ثقة الدولة بنفسها، وهي خسارة تفوق بكثير الأضرار المادية.
لم يكن الاقتصاد الإيراني بحاجة إلى هذه الضربة ليظهر هشاشته، فمع وجود آلاف العقوبات الغربية وخسائر تجاوزت تريليونات الدولارات، يعيش ملايين الإيرانيين في فقر وعجز عن تأمين لقمة العيش.
الأرقام الرسمية تتحدث عن عشرات الملايين تحت خط الفقر، وملايين بلا عمل في بلد تعداد سكانه نحو 88 مليون.
وظائف وهمية
الخبير الاقتصادي باباك أماميان أشار إلى أن الاقتصاد الإيراني يعاني من “هشاشة كاملة”، مشيراً إلى أن الحكومة تدفع رواتب لما يقرب من 8 ملايين وظيفة لا تنتج شيئاً حقيقياً، وإنما تُستخدم كأداة لضمان الولاء السياسي، وهو ما يثقل كاهل الاقتصاد ويمنع انطلاق مشاريع إنتاجية حقيقية.
الضربات الأخيرة تمثل منعطفاً حاداً في السياسة الأميركية تجاه إيران، بعد سنوات من الاعتماد على العقوبات والدبلوماسية، يبدو أن واشنطن قررت التحول إلى العمل العسكري المباشر، في خطوة يشبهها المحللون بما حدث مع اليابان نهاية الحرب العالمية الثانية، ما يطرح تساؤلات حول قدرة إيران على الاستمرار في مشروعها النووي وقدرتها على الرد.
رغم حجم الخسائر المادية والبشرية، يرى كثيرون أن الخسارة الأشد هي انهيار الثقة الداخلية. فبعد أن أثبتت الضربات عدم قدرة إيران على حماية منشآتها الحيوية، وتصاعد هروب رؤوس الأموال، وانهيار العملة الوطنية، أصبح من الصعب جذب الاستثمارات، مما يجعل فرص التعافي بعيدة المنال.
هل تُعيد النظر؟
يبقى السؤال الأهم: هل ستدفع هذه الضربة النظام الإيراني لإعادة النظر في سياساته الاقتصادية والاستراتيجية؟ أم سيستمر في طريق التصعيد رغم التكاليف الباهظة؟
الأسابيع المقبلة ستكون حاسمة، ليس فقط لمستقبل البرنامج النووي، بل أيضاً لتحديد مستقبل الدولة الإيرانية من الداخل والخارج.