مروان الفراتي – دير الزور | تفاصيل برس
تُعد صناعة المونة في دير الزور تقليداً عريقاً ومتجذراً في حياة المرأة الديرية، حيث تمثل جزءاً لا يتجزأ من الموروث الثقافي الذي ينتقل عبر الأجيال؛ مع قدوم فصل الصيف، تنطلق النساء في رحلتهن السنوية لإعداد أنواع شتى من المونة، التي تشكل أساس غذائهن خلال أشهر الشتاء الباردة.
تتنوع هذه المونة بين الجبنة البلدية والمخللات والمربيات المختلفة والزيتون المتبل والمكدوس ودبس الفليفلة؛ إضافةً لحفظ كميات كبيرة من البازلاء والفول والملوخية عن طريق التجميد؛ تتميز كل مادة بطريقتها في تحضيرها الخاصة، مما يحافظ على نكهتها ومذاقها الأصيل.

تحديات معاصرة تهدد تقاليد الأجداد
على الرغم من عمق هذه العادة وتأصلها، تواجه المرأة الديرية اليوم تحديات جديدة لم تكن موجودة في السابق، مما يعيقها عن الحفاظ على مونة الصيف كما ينبغي، فالحر الشديد الذي يميز منطقة دير الزور، إضافةً إلى انقطاع التيار الكهربائي المتكرر لساعات طويلة، يهدد عملية حفظ المونة، خاصةً تلك التي تعتمد على التبريد؛ ارتفاع درجات الحرارة يفسد العديد من أنواع المونة سريعاً، مما يجبر النساء على التخلص من كميات كبيرة من إنتاجهن وإطعامها للحيوانات، وهو ما يمثل خسارة مادية ومعنوية كبيرة.
إجراءات للتصدي للخسائر… ولكن
تتخذ المرأة الديرية العديد من الإجراءات للحد من هذه الخسائر، مثل استخدام أجهزة توليد الطاقة البديلة كالمولدات الكهربائية في حال انقطاع التيار الكهربائي، أو حفظ المونة في أماكن مظللة وباردة قدر الإمكان، لكن هذه الإجراءات لا تغطي دائماً حجم المشكلة، خاصةً مع تزايد فترات انقطاع الكهرباء وارتفاع تكاليف تشغيل المولدات.

شهادات من قلب المعاناة
تتحدث حنان العامر، إحدى نساء ريف دير الزور، عن تجربتها قائلة: “بدأت كما في كل عام بإعداد المونة من الجبنة والمخللات والمربيات وغيرها، ولكن بسبب الحر الشديد والانقطاع المستمر للكهرباء، خسرت نصف كمية البازلاء والفول لأن الثلاجات توقفت عن العمل لساعات طويلة، واضطررت لرميها للحيوانات، الأمر محزن للغاية خاصةً مع ارتفاع أسعار الخضروات.”؛ تضيف حنان: “مشكلة انقطاع التيار الكهربائي تؤثر على صناعة المونة بشكل كبير، فالمونة ليست عملية اقتصادية فقط، بل هي عادة اجتماعية تقليدية متجذرة عبر الزمن القديم في دير الزور”.

من جانبها، تؤكد مسيرة البكعان أن المرأة الديرية تولي أهمية بالغة لصناعة المونة، وتظهر براعة كبيرة في إعدادها؛ نساء المحافظة يتنافسن بين بعضهن على جودة المنتج وطعمه اللذيذ؛ حنان تصف صناعة المونة بالمهارة الموروثة الناتجة عن تراكم خبرات أجيال تناقلتها عبر الزمن لتصل إلينا اليوم، وتتحدث ريم العبد الله التي تتمتع بخبرة واسعة في صناعة المربيات عن التحديات التي تواجهها قائلة: “أعرف جيداً أن بعض أنواع المربيات تتطلب تبريداً سريعاً، لذا أستخدم أواني صغيرة الحجم لتسريع عملية التبريد، وأحياناً أعتمد على الأواني الفخارية للحفظ، لكن انقطاع التيار الكهربائي المتكرر يشكل ضغطاً نفسياً كبيراً، لأن عملية صنع المربيات دقيقة جداً وتتطلب دقة عالية في كل خطوة، فأي تقصير قد يفسد الجهد المبذول خلال ساعات طويلة من العمل الدقيق.”

المونة فن وهوية تحت التهديد
تختتم ريم حديثها مؤكدةً أن صناعة المونة ليست مجرد عملية لتحضير الطعام، بل هي فن يعبر عن الهوية المحلية، ويجسد الروابط الاجتماعية القوية، وتضيف أن انقطاع التيار الكهربائي لا يشكل عائقا مادياً يسبب خسائر اقتصادية فحسب، بل يهدد أيضاً هذا الموروث الأصيل، ليشكل ضغطاً عاطفياً على النساء اللواتي يهتممن بصناعة المونة.


























































































