إبراهيم مخلص الجهني – كاتب سوري
في الجمهورية الفرنسية، يبدو أن الفقر بات أزمة على المستوى الوطني وما يقارب 10 مليون مواطن يعيشون تحت خط الفقر، أي أن دخلهم يقل عن 1288 يورو في الشهر، هذا الرقم صادم، بلا شك، لدى المواطن الفرنسي، الصحف تكتب وكأنها ترثي فرنسا، المسؤولون يتحدثون بحزن، وصحيفة “لوموند الفرنسية” تستفيض في الشرح كما لو أن دولتهم تحولت إلى إحدى دول العالم السادس.
أما في سوريا، فخط الفقر لم يعد خطاً أصلاً، أنما خندق مظلم وعميق مملوء بأحلام محطمة وجوع مزمن، 90% من السكان تحت خط الفقر، و66% يعيشون فقراً قاسياً، وواحد من كل أربعة عاطل عن العمل، وفق تقارير الأمم المتحدة، لكن المفارقة أنه لا أحد يتحدث عن “أزمة وطنية” بقدر ما يتحدث عن “روتين يومي”.
المواطن الفرنسي تحت خط الفقر وراتبه حوالي 1288 يورو، أما السوري، فعادة يقبض “لا شيء”، وينفق “لا أحد يعلم كيف”، الفرنسي الفقير يعاني من ارتفاع في أسعار جبنة الكممبر أو اشتراك النادي الرياضي، أما السوري الفقير يعاني من انقطاع الخدمات الأساسية وحتى الأمل، الجينز في باريس مشكلة رفاهية وماركة، بينما في دمشق، مجرد سروال دون ثقوب يعادل ثمنه ربع الراتب ويعد ترفاً، باختصار “ما يعد مشكلة في باريس، يعد حلماً في دمشق”.
يقول رئيس قسم موارد الأسرة في معهد الإحصاء الفرنسي إن التفاوت في الدخل بين الأغنياء والفقراء بلغ أعلى مستوياته منذ السبعينيات فرنسا، أما في سوريا، نحتاج آلة حاسبة فضائية خارقة لقياس تلك الفروق، لأنها تجاوزت حدود الإحصاء والرياضيات والمنطق.
في فرنسا، معامل “جيني” لقياس اللامساواة على وشك أن يصرخ، أما في سوريا، “جيني” استقال، وسافر، وربما قدم لجوء إلى ألمانيا.
التقارير الفرنسية تتحدث عن “أزمة متفاقمة”، لكن دعونا لا نبالغ، ما زال الفرنسي الفقير يملك عقد عمل، وتأمين صحي، وشبكة مواصلات عامة تنقله إلى مكان يشتري منه احتياجاته، أما في سوريا، الفقير يملك فقط قائمة الاحتياجات ولا يملك وسيلة واحدة لتحقيقها منذ سنوات.
ثم يتحدث الفرنسيون عن ارتفاع نسبة الفقر من 14.4% إلى 15.4% خلال عام وسط حالة من الخوف والهلع، أما في سوريا، لو انخفض الفقر إلى 85% سنقيم مهرجاناً او احتفالاً، وسنوزع الشاي “بدون سكر طبعاً”.
لكن لنعترف، كلا الشعبين يشتركان في أمر واحد: قلة الحيلة، فالفرنسي محبط من مؤسسات الرفاهية، والسوري يائس من كل مؤسسة ما عدا الحظ ولا يزال يحتفظ بجزء من الأمل.
ووسط هذه المفارقة، نجد أن فرنسا ما زالت تناقش حلولاً، وتصدر تقارير وأرقام، أما في سوريا، غالباً ما ينظر إلى الفقر كـ “ظاهرة “، مثل الشتاء أو انقطاع الكهرباء: نتعايش معه، ونمزح بشأنه، ثم نكمل المسير ببعض السخرية، وقليل من الصبر، وضوء هاتف بالكاد فيه شحن.
وللمفارقة، تقترح الأمم المتحدة خطة إنعاش للاقتصاد السوري تحتاج إلى 36 مليار دولار، في فرنسا، هذا المبلغ يكفي لرفع معاشات الفقراء وزيادة دعم الطاقة، بينما في سوريا لن يكفي لتوصيل الكهرباء لعدة محافظات لفترة محدودة.
لكن، دعونا نتكلم بواقعية، فالفقر الفرنسي أنيق، يلبس سكارف شتوي ويتظاهر في الشانزليزيه، أما الفقر السوري، فـ “يشحد Wi-Fi” ليحمل تقرير الأمم المتحدة الذي يتحدث عن حاله… ثم لا يجد إنترنت.

























































































