دانا برجاس – تفاصيل برس
مع التحولات التكنولوجية الجذرية التي يشهدها العالم، تحتدم المنافسة بين القوى الكبرى للسيطرة على الذكاء الاصطناعي، وتحديداً بين الولايات المتحدة والصين.
لكن هذه المنافسة تتجاوز مجرد التفوق التقني، لتطال إعادة تشكيل النظام العالمي برمته.
مساران مختلفان نحو الهيمنة
تعتمد الولايات المتحدة على نموذج الابتكار المفتوح، الذي تتصدره شركات تكنولوجية كبرى مثل OpenAI وGoogle وMicrosoft، مدعومةً ببنية تحتية متقدمة تقودها Nvidia، وبيئة أكاديمية مزدهرة في جامعات مرموقة كـMIT وStanford كما تسهم بيئة الاستثمار الجريء وتسارع وتيرة البحث والتطوير في تعزيز ريادة واشنطن في مجال النماذج اللغوية والخوارزميات المتطورة.
على الجانب الآخر، تتبع الصين نهجاً مختلفاً، يتمثل في تطبيقات سريعة وخطط استراتيجية طويلة المدى، مثل “صنع في الصين 2025″ و”خطة الذكاء الاصطناعي 2030”. وتستفيد من وفرة البيانات وسهولة الوصول إليها ضمن أطر تنظيمية أكثر مرونة، مما يتيح لها تطبيق التكنولوجيا بفعالية في قطاعات التعليم، الصحة، والمراقبة.
مواطن قوة وتحديات قائمة
ورغم ريادة الولايات المتحدة في تطوير نماذج الذكاء الاصطناعي المتقدمة، إلا أنها تواجه تحديات تنظيمية تتعلق بالخصوصية وتنسيق الجهود بين عمالقة التكنولوجيا.
أما الصين، وعلى الرغم من تسارع تطبيقاتها، فإنها لا تزال تعتمد على تقنيات غربية في تصنيع الرقائق، مما يجعلها عرضة للقيود الأميركية.
ويرى محللون أن بكين تركز بشكل أكبر على تطوير أنظمة متعددة الأغراض، تلبي احتياجات عملية، بدلاً من السعي لتطوير ذكاء اصطناعي عام على النمط الغربي.
تصاعد حدة التنافس
الدعوة التي أطلقها رئيس مجلس الدولة الصيني، لي تشيانغ، لتأسيس منظمة دولية لتنظيم الذكاء الاصطناعي، تعكس رغبة الصين في كسر الاحتكار التكنولوجي وتفعيل حوكمة أكثر عدلاً. وقد حذر من تحول الذكاء الاصطناعي إلى “لعبة حصرية”، في إشارة إلى المخاوف من احتكار التقنيات من قبل قلة من الدول والشركات.
من جهتها، تتبنى واشنطن استراتيجية أكثر انفتاحاً وسعياً متسارعاً نحو الهيمنة من خلال استثمارات ضخمة، من أبرزها مبادرة Stargate، التي ترصد 500 مليار دولار لإنشاء مراكز بيانات عملاقة.
نفوذ عالمي لا تقني فقط
الدكتور حسين العمري، خبير التكنولوجيا في وادي السيليكون، يصف ما يحدث بأنه صراع نفوذ عالمي، يتجاوز مجرد أدوات البرمجة ليشمل السيطرة على البيانات والجغرافيا السياسية.
ويرى أن نجاح النموذج الصيني DeepSeek بكفاءة عالية وتكلفة أقل أعاد ترتيب المشهد، وأثبت أن الابتكار لم يعد حكراً على الغرب.
وفي الوقت الذي تسعى فيه الصين إلى تعزيز حضورها في دول الجنوب العالمي، تعمل الولايات المتحدة على بناء تحالفات استراتيجية مع قوى كبرى مثل أوروبا، الهند، واليابان، مما يحوّل الذكاء الاصطناعي إلى أداة جديدة لإعادة صياغة التحالفات الدولية.
تأثير عالمي ونتائج حاسمة
مهما كان شكل الصراع، سواء كان ناعماً أو أكثر حدة، فإن نتائجه ستطال العالم بأسره. فلم يعد السباق حول من يبتكر أولاً، بل من يضع القواعد، ويمتلك البنية التحتية، ويحتكر المواهب والبيانات، ويضمن الاستخدام الأخلاقي والمسؤول للتقنية.
وفي نهاية المطاف، يقف العالم أمام مفترق حاسم: إما أن يسلك طريق التعاون الدولي لتنظيم الذكاء الاصطناعي بما يخدم البشرية، أو أن ينجرف في سباق فوضوي يعمّق الانقسامات ويكرّس الهيمنة بأساليب جديدة.


























































































