المحرر السياسي – تفاصيل برس
في لحظة إقليمية حساسة وتغيرات متسارعة في ملفات المنطقة، حملت زيارة رئيس الحكومة اللبنانية إلى العاصمة السورية دمشق رسائل عديدة، ليس فقط على مستوى العلاقات الثنائية، بل أيضاً في السياق الأوسع لإعادة صياغة العلاقة اللبنانية-السورية، وفق ما وصفه الرئيس اللبناني بـ”فتح صفحة جديدة” تقوم على “الاحترام المتبادل واستعادة الثقة”.
من وجهة نظر دمشق، تأتي هذه الزيارة في إطار التفاعل الطبيعي بين بلدين تجمعهما الجغرافيا والتاريخ والمصالح المشتركة، لكن ما يميزها هو تزامنها مع الانفتاح الإقليمي التدريجي على سوريا، خاصة بعد الزيارة اللافتة التي قام بها الرئيس السوري أحمد الشرع إلى الإمارات، والتي أطلقت إشارات سياسية مهمة حول عودة سوريا إلى الساحة الإقليمية كلاعب يحظى بالاحترام والتقدير.
سيادة متبادلة.. وتنسيق متقدم
خلال المحادثات التي جرت في دمشق، شدّد المسؤول اللبناني على أن العلاقة مع سوريا “قائمة على الحفاظ على السيادة وعدم التدخل في الشؤون الداخلية”، وهي صيغة تحظى بقبول سوري وترحيب، خصوصاً أنها تنسجم مع الرؤية السورية الداعية إلى علاقات عربية قائمة على الندية والتكامل لا الوصاية والهيمنة.
ولعل أبرز مخرجات اللقاء كان الاتفاق على تشكيل لجنة وزارية مشتركة تضم وزارات الخارجية والدفاع والداخلية والعدل، في خطوة تنظيمية تؤكد جدية الطرفين في إدارة ملفات الخلاف والتعاون عبر القنوات الرسمية والمؤسسية.
ملفات عالقة.. واتفاقيات بحاجة لمراجعة
بحث الطرفان في الاتفاقيات الموقّعة بين البلدين، بما فيها المجلس الأعلى اللبناني-السوري، مع إشارة واضحة إلى ضرورة إعادة النظر ببعض البنود بما يتناسب مع المستجدات السياسية والاقتصادية، وهو أمر ترى فيه دمشق بادرة نحو تحديث الإطار الناظم للعلاقة الثنائية ليكون أكثر عدالة وواقعية.
الاقتصاد واللاجئون على الطاولة
الملف الاقتصادي حاز حيزاً كبيراً من المحادثات، خاصة ما يتصل بإعادة تفعيل خطوط التجارة والترانزيت، واستجرار النفط والغاز، وفتح المجال أمام التعاون في مجال الطيران المدني، وهو ما يمكن أن يشكل متنفساً للطرفين في ظل الأزمات المتراكمة.
أما ملف اللاجئين السوريين في لبنان، فقد تم التطرق إليه بوضوح، حيث جرى التداول في آليات تسهيل “العودة الآمنة والكريمة” إلى مناطقهم، بمساعدة الأمم المتحدة والدول الصديقة، وهو ما يتماشى مع الموقف السوري الثابت الرافض لاستخدام ورقة اللاجئين كورقة ضغط أو مساومة.
ويبدو أنّ دمشق تتعامل مع هذه الزيارة بوصفها مؤشراً على بداية مسار جديد، لا يقوم فقط على تصفية رواسب الماضي، بل يتطلع إلى بناء شراكة عقلانية بين دولتين تربطهما مصالح استراتيجية.
وما بين الانفتاح العربي على دمشق، وزيارات رئاسية تفتح أبواب الخليج، فإن المرحلة المقبلة مرشحة لتبدلات حقيقية في المشهد الإقليمي، على قاعدة من الواقعية السياسية واستعادة أدوار كانت غائبة.