صفا موسى – تفاصيل برس (خاص)
في زمن الأسد المخلوع بإمكان أي شخص أن يكون مديراً لفرع أو مؤسسة استهلاكية، وبإمكانه أيضاً أن يشارك في تشكيل قوائم مجلس الشعب وقيادة فروع الحزب، لماذا يستحيل ذلك؟ فالصداقة مع مسؤول أمني أو قيادي بعثي تجعل المستحيل ممكناً.
فادي مالك أحمد، المعروف بـ”فادي صقر” أو” صقر الدفاع الوطني” صاحب تلك الاستثناءات المطعمة بنكهة أسدية، بدأ مسيرته المهنية بموظف في إحدى فروع المؤسسة الاستهلاكية في الزبلطاني، ليصبح بعدها مديراً لمجمع 8 آذار بدمشق، ويعين لاحقاً قائداً لإحدى الفصائل التابعة لميليشيات “الدفاع الوطني” التي كانت مدعومة من إيران، والمسؤولة عن انتهاكات وجرائم بحق السوريين، قبل أن يعين لاحقاً مسؤولاً عن قيادة تلك الميليشيات على امتداد الأراضي السورية.
ما هو دور رجل الظل
بفضل رجل الظل اللواء بسام الحسن، الملقب بـ”الخال”، مدير المكتب الأمني والعسكري في القصر الجمهوري في نظام الأسد، ومؤسس ميليشيا “الدفاع الوطني”، أصبح “صقر” أحد أبرز الشخصيات المؤثرة على قوائم “حزب البعث”، أبرزها تسوية ملفات فساد كبيرة تتعلق بعائلته وأصدقائه.
لم تقتصر فقط مشاركة “صقر” بالنهب واغتنام المكاسب، بل ساعد على فرض حصار على أحياء سيطرت عليها المعارضة جنوب العاصمة، وواجهت قواته اتهامات بارتكاب مذابح بحق المدنيين وإعدامات جماعية، والتورط في عمليات تدمير واسعة للمنازل ونهب الممتلكات.
صقر ومجزرة التضامن
يُعد فادي صقر أحد أهم “مهندسي عمليات القتل الممنهج”، إذ قُتل ما يصل إلى 280 شخصاً في الـ16 من نيسان 2013 في ما يسمى “مجزرة التضامن” حيث تظهر عناصره وهم يصوّرون أنفسهم في أثناء قتلهم الأسرى، كما ظهر فادي صقر في فيديوهات وهو يأمر بتوجيه المدافع نحو منطقة الحجر الأسود قرب دمشق، ويُشرف على إطلاقها، بحسب تقارير حقوقية وإعلامية.
إضافة إلى الكارثة الإنسانية في مخيم اليرموك بسبب حصار راح ضحيته أكثر من 200 لاجئ فلسطيني عام 2013، قضوا جوعا بسبب منع دخول الغذاء والدواء وقطع الماء والكهرباء، وكان نحو نصف الضحايا من النساء والأطفال.
من الانتهاكات إلى التجارة
بقي فادي صقر يقود “قوات الدفاع الوطني” حتى بدأ تدريجياً عام 2020 التحول إلى مجال الأعمال التجارية، مستغلاً سلطته كأحد أبرز قياديي “الدفاع الوطني” في سوريا نتيجة الأموال التي كسبها من عمليات سرقة المنازل في المناطق التي هجر أهلها، وفق تقارير إعلامية، ليُصبح المالك الحقيقي لمول “بيغ فايف”، بعد سلب نظام الأسد المول من صاحبه الأصلي بلال نعال.
وفي شهر أغسطس/آب من عام 2020، وضعت الإدارة الأميركية اسم فادي صقر على لوائح العقوبات بسبب جهوده لمنع وقف لإطلاق النار.
الظهور من جديد
مجدداً، بعد نهاية حكم الأسد واتباعه الذي استمر أكثر من 50 عاماً، أثار ظهور “صقر” جدل واسع بسبب تسوية الحكومة الجديدة الخلاف معه وعدم اعتقاله في إطار فتح ملفات الجرائم والانتهاكات، وظهوره إلى واجهة المشهد السوري مجددا بعد ظهوره رفقة محافظ دمشق ماهر مروان وعضو اللجنة العليا للسلم الأهلي حسن صوفان.
ليُبرر حسن صوفان عضو لجنة السلم الأهلي، سبب وجود “صقر” ضمن مسار العدالة الانتقالية، بأنه يسهم أحياناً في حلحلة العقد الأمنية والاجتماعية، وحقن الدماء سواء لدى جنود الدولة أو للمناطق الساخنة والحواضن المجتمعية.
ويوم الثلاثاء الماضي، عقد في مبنى وزارة الإعلام بدمشق مؤتمر صحفي، أكد خلاله عضو اللجنة العليا للحفاظ على السلم الأهلي، حسن صوفان، أن الضباط الذين تم إطلاق سراحهم هم “ضباط عاملون” منذ عام 2021، وقد سلّموا أنفسهم طوعاً على الحدود العراقية ومنطقة السخنة ضمن ما يُعرف بحالة “الاستئمان”.
وأكد صوفان أن السلم الأهلي هو الأولوية، وأن الثأر لن يحقق العدالة، بل سيؤدي إلى ضياع المسؤولية وهروب المسؤولين عن ارتكاب المجازر بحق الشعب السوري.
من جهته، حذر المتحدث باسم وزارة الداخلية، نور الدين البابا، خلال المؤتمر، من بعض المجموعات المدعومة من جهات خارجية وفلول نظام الأسد التي تعمل على تهديد الدولة وتسعى لتقويض السلم الأهلي.
وأشار إلى وجود “450 ألف منخرط في القتال مع ميليشيات النظام البائد ضد السوريين”.
كما لفت المتحدث إلى أن من أبسط أسس العدالة الانتقالية “تأمين محاكمة عادلة للمتورطين بجرائم حرب من ضباط وغيرهم”.
وبيّن أن “123 ألف منتسب في وزارة الداخلية زمن النظام البائد، كثير منهم تورطوا بجرائم ضد الشعب السوري”.
وفيما يخص الموقوفين، صرّح البابا خلال معركة ردع العدوان أن هناك ضباطاً من جيش ومخابرات نظام الأسد، يتعاونون معهم ويسلمونهم القطع العسكرية وأفرع الأمن، ما سهّل وصول قوات ردع العدوان إلى المناطق السورية لتحريرها.
وأشار إلى أن بعض الأسماء التي يتم تسليط الضوء عليها اليوم، والتي أثارت كثيراً من علامات الاستفهام، ساعدت خلال معركة ردع العدوان على تحييد الكثير من القطع العسكرية التابعة لنظام الأسد، الأمر الذي عجل بالنصر وتحرير سوريا.
العدالة!
أثار هذا المؤتمر ضجة كبيرة على مواقع التواصل الاجتماعي، التي شكّلت منبراً للعديد من الناشطين السوريين للتعبير عن آرائهم.
بعض الناشطين رأى أن حالة العفو التي تنتهجها اللجنة، تحت أي مسمى، تمثل نوعاً من التخلي عن الحقوق، الاستياء جاء عقب تصريحات صوفان خلال المؤتمر، والتي دافع فيها عن سياسة الإفراج عن عدد من ضباط النظام السابقين وعدم محاسبتهم وفق القانون وعبر محاكم علنية، وعلى رأسهم “فادي صقر”.
وحذّر ناشطون من انفجار شعبي وشيك نتيجة ما اعتبروه استهانة بمشاعر ذوي الشهداء والمفقودين، وسلوك الدولة في الإفراج المتتالي عن مجرمي نظام الأسد دون مساءلة أو محاكمات.
في المقابل، اعتبر العديد من الناشطين أن ما صدر في المؤتمر يدل على متابعة حثيثة من قبل المسؤولين لملف العدالة الانتقالية، مع ثقة مطلقة بالحكومة الجديدة وبأنها ستحاسب مرتكبي الانتهاكات والجرائم بحق السوريين.
تصريحات مستفزة
وفي تصريحات اعتبرها ناشطون سوريون استفزازية وتنطوي على إنكار خطير لمسؤولية محتملة في واحدة من أبشع الجرائم التي وثّقتها تسجيلات مصوّرة. أدلى فادي صقر بتصريحات لصحيفة نيويورك تايمز، نفى فيها أي علاقة له بمجزرة حي التضامن التي وقعت في دمشق عام 2013، مشيراً إلى أنه لم يكن في موقع المسؤولية حينها، وأن تعيينه جاء في وقت لاحق للجريمة.
وقال صقر للصحيفة: “لست مسؤولاً عن مذبحة حي التضامن، وتم تعييني بعد وقوع المجزرة، ولم أحصل على أي عفو من الحكومة”.
وأضاف أن “الدولة كانت واضحة معي منذ البداية، ولو كان لدى وزارة الداخلية أي دليل ضدي، لما كنت أعمل معهم اليوم”.
وفي محاولة لتبرئة نفسه، قال صقر للصحيفة: “سأخضع لما تقرره السلطة القضائية وفقاً للإجراءات القانونية السليمة”.
ميثاق الأمان الذي اعطته الحكومة السورية لـ”صقر” يصطدم بالغضب الشعبي الذي ينادي بإنصاف الضحايا من جهة، ووجود أطراف تنتظر الفرصة المناسبة لخلق الفوضى واستغلال أي ثغرة أمنية أو اجتماعية لزعزعة الاستقرار من جهة ثانية.
تفاصيل برس.. تقدير موقف: الإفلات من العقاب لن يبني وطنا.. وفادي صقر مكانه السجن لا لجان السلم