في رحلة الكتابة، نصل أحيانًا إلى مفترق طرق حيث تتغير الدوافع وتتحول الأولويات. يبدأ الكثيرون منا رحلتهم بشغف مشاركة الأفكار مع العالم، بحثًا عن صدى لرسائلهم وتأثير في جمهورهم. ولكن مع مرور الوقت، قد نجد أنفسنا ننزلق نحو مساحة أكثر خصوصية، نكتب فيها لأنفسنا أولًا، حتى لو كان ذلك يعني “خسارة” جمهورنا. هذا التحول ليس بالضرورة تراجعًا، بل قد يكون تحررًا نفسيًا عميقًا.
عندما نكتب لأنفسنا، فإننا نتحرر من قيود التوقعات الخارجية والبحث عن الإعجاب. تصبح الكتابة حينها مساحة آمنة للاستكشاف الداخلي، متنفسًا للعواطف، ومرآة تعكس أعمق أفكارنا ومشاعرنا. في هذه المرحلة، قد نركز على معالجة التجارب الشخصية، أو تحليل الأفكار المعقدة دون الخوف من عدم الفهم أو الرفض. إنها عملية شفاء وتصالح مع الذات، حيث يصبح القلم أداة لفهم الذات أولًا قبل محاولة فهم العالم أو التأثير فيه.
إن فكرة “خسارة الجمهور” هنا لا تعني بالضرورة توقف الناس عن القراءة، بل تعني أننا لم نعد نكتب لأجلهم بالدرجة الأولى. قد يظل هناك من يجد صدى في كتاباتنا الصادقة، بل قد ينجذب إليها أكثر لصدقها وعمقها. فالجمهور الحقيقي هو من يقدر الأصالة، لا من يبحث عن مجرد الترفيه أو المعلومة السطحية. ربما نكون قد خسرنا الكم، ولكننا ربحنا النوعية؛ نوعية الجمهور الذي يتصل بنا على مستوى أعمق.
قد يهمك: السوريون وعادة النفخ على اللبن
من الناحية النفسية، هذا التحول يمكن أن يعزز الثقة بالنفس ويقلل من الضغوط المرتبطة بالأداء. بدلاً من السعي المستمر لإرضاء الآخرين، نصبح أكثر انسجامًا مع صوتنا الداخلي ورؤيتنا الفنية. إنه مسار نحو النضج الكتابي، حيث تصبح الكتابة غاية في حد ذاتها، وليست مجرد وسيلة لتحقيق غاية خارجية.
فهل هي خسارة حقًا، أم أنها خطوة ضرورية نحو الأصالة والعمق، تُعيد للكتابة جوهرها كفعل إبداعي وشخصي بامتياز؟

























































































