رنيم الأحمد (القامشلي) – تفاصيل برس
تزداد ظاهرة عمالة الأطفال في مدينة القامشلي بشكل لافت، مدفوعة بتدهور الأوضاع الاقتصادية وارتفاع معدلات الفقر، ما يدفع الكثير من الأسر للاعتماد على أبنائها في توفير جزء من مصروف الحياة.
هذه الظاهرة تأتي في ظل هذه الظروف، يجد الأطفال أنفسهم مضطرين لترك مقاعد الدراسة والدخول إلى سوق العمل في سن مبكرة، محرومين من فرص التعليم والنمو السليم، وهو ما ينعكس سلبًا على حاضرهم ومستقبلهم على حد سواء.
في شوارع المدينة وأسواقها، تنتشر مشاهد الأطفال الذين يعملون في بيع البضائع البسيطة أو الورش أو مهن شاقة، في محاولة للمساهمة في تأمين لقمة العيش لأسرهم، محمد الهلالي، البالغ من العمر 14 عامًا، مثال حي على ذلك، بعد وفاة والده بمرض عضال، وجد نفسه أكبر أشقائه الثلاثة، فاضطر لترك المدرسة وهو في الصف السابع، ليعمل منذ عامين في محل لبيع إكسسوارات السيارات.
يبدأ محمد يومه منذ الصباح الباكر ويعود في المساء، ورغم انقطاعه عن التعليم، يأمل أن تمنحه هذه المهنة خبرة تساعده مستقبلًا، لكنه يؤكد أن هدفه الأول هو تأمين تكاليف دراسة إخوته ومنعهم من تكرار تجربته.
قد يهمك: حلب.. شكاوى لتدني جودة الخبز في بعض أفران المدينة
أما صالح، البالغ من العمر 16 عامًا، فقد أكمل المرحلة الإعدادية عبر امتحان الشهادة الحرة، ومنذ عام يعمل في ورشة حدادة يملكها ابن عمه في القامشلي. يتقاضى صالح نحو 100 ألف ليرة أسبوعيًا، أي ما يفوق راتب والده المدرس الذي لا يتجاوز 250 ألف ليرة شهريًا، وإلى جانب راتبه، يحصل على إكراميات من الزبائن عند القيام بأعمال صيانة في منازلهم.
يرى صالح “أن هذه المهنة تساعد أسرته على مواجهة الظروف المعيشية الصعبة، ويخطط للتقدم لامتحانات البكالوريا الحرة العام المقبل، مع الاستمرار في العمل لتأمين احتياجات المنزل”.
هذه القصص ليست استثناءً، بل تمثل واقعًا يوميًا تعيشه المدينة، حيث يحل العمل المبكر محل التعليم، وتتحول الطفولة إلى مرحلة من الكدّ المستمر، ورغم وضوح حجم الظاهرة، فإن الاستجابة من الجهات المسؤولة تبقى محدودة، وغالبًا ما تقتصر على المؤتمرات والشعارات، دون تنفيذ حلول ملموسة تعالج جذور المشكلة أو توفر بدائل حقيقية للأسر.
ويبدو أن استمرار هذا الواقع يهدد جيلاً كاملًا بالضياع، ويحوّل الأطفال إلى ضحايا ظرف اقتصادي قاسٍ وسياسات عاجزة، ولا يمكن مواجهة الظاهرة إلا بخطوات جادة تبدأ من دعم الأسر الفقيرة ماديًا، وفرض قوانين تحظر تشغيل الأطفال، وتوفير برامج تعليمية وتعويضية لمن انقطعوا عن الدراسة، فبدون هذه الإجراءات، ستظل شوارع القامشلي تمتلئ بأطفال يحملون أدوات العمل بدل الكتب، وأحلامهم ستبقى مؤجلة إلى أجل غير مسمى.
























































































